سكر كفرح زال عقله (واتقي وخيف وترك لا يعاقب ويعذر بسكره) فيه توبيخ لأهل الدين بإكرامه وتعظيمه والإتقاء والخوف منه وترك عيبه ولومه وعقوبته بإقامة الحد عليه لأن الشارب وإن كان واليا ذا قوة ينزجر لو اجتمعوا في منعه واتفقوا عليه. فالفساد هنا نشأ من الكل كما في قوله (ورأيت من يأكل أموال اليتامى يحمد بصلاحه) فإن الفساد من جهة أكل بعض وثناء آخرين له بالصلاح وفي بعض النسخ «يحدث» (ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله) لعدم علمهم به أو للارتشاء أو لغرض آخر (ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع) الخونة والخانة جمع الخاين وهو الذي يأخذ من المظلوم ويعطي الوالي الطامع ويقضي طمعه ويبيع آخرته بالدنيا لغيره وأما الناصح الأمين العادل فهو بعيد عن ذلك بمراحل فلذلك لا يأتمنه الوالي الطامع الجائر (ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسق والجرأة على الله يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون) كما يفعله الولاة والصدور في عصرنا هذا فإنهم يفتشون أحوال الناس ويجدون أجهلهم وأفسقهم ويأخذون منه ما أرادوا ويجعلونه مسلطا على أموال الناس ومواريثهم ويخلونه مع ما تشتهي نفسه الأمارة.
(ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى) الدافعة للرذايل الجالبة للفضايل (ولا يعمل القائل بما يأمر) ليس قصده من ذلك إقامة الدين وترويج الشرع المبين بل قصده الشهرة بين الناس وصرف وجوههم إليه وسعيهم في حوائجه وقيامهم بين يديه (ورأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها) بأن أخرت عن أوقاتها الفاضلة بلا عذر يقتضي التأخير (ورأيت الصدقة) الواجبة والمندوبة (بالشفاعة لا يراد بها وجه الله) أي ذات الله ورضاه وقربته أو أمر الله وإنما يعطي لطلب الناس المعروفين وقصد التقرب بهم أو الاستحياء من رد قولهم.
(ورأيت الناس همهم بطونهم وفروجهم لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا) من الحلال أو من الحرام وهم حينئذ مطايا الخطيئات وزوامل الآثام ليست أحمالهم إلا خطيئات ولا أعمالهم إلا سيئات ومن ثم قال (عليه السلام): «أبعد ما يكون العبد من الله عز وجل إذا لم يهمه إلا بطنه وفرجه» (ورأيت الدنيا مقبلة عليهم) وهم حينئذ أهل غفلة ومعصية إذ الدنيا رأس كل فتنة وخطيئة ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام: «مثل الدنيا كمثل الحية ما ألين مسها وفي جوفها السم الناقع، يحذره الرجل العاقل ويهوى إليها الصبي الجاهل» إن شئت معرفة مفاسد الدنيا فارجع إلى كتاب الكفر والإيمان من الأصول.
(ورأيت أعلام الحق قد درست) وهي القوانين الشرعية والأحكام الإلهية أو العلماء الراسخون في العلم لأنهم أعلام يوصل التمسك بهم إلى الله تعالى روى مسلم عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنا» وقال أيضا: «إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل ويكثر فيها الهرج».