الكاذبة داعية على استماعها وترويجها (ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه وخف على الناس استماع الباطل) سر ذلك أن القرآن بحر عميق لا يصل إلى قعره إلا العارفون ولا يستخرج فرائده إلا العالمون بخلاف الباطل فإنه مبتذل يعرفه الجاهلون ومن البين أن كل ما تعجز النفس عن إدراكه فهو ثقيل عليها وكل ما تدركه بسهولة فهو خفيف عليها فإذا ذهب العلم والعلماء وبقي الجهل والجهلاء كان استماع القرآن عليهم ثقيلا واستماع الباطل خفيفا (ورأيت الجار يكرم الجار خوفا من لسانه) الظاهر من الجار هو المعنى المعروف ويحتمل إرادة المصاحب به أيضا والذم إما راجع إلى الجار الأول باعتبار أن صدور الإكرام منه بسبب الخوف لا بدونه أو إلى الجار الثاني باعتبار قبح لسانه أو إليهما جميعا (ورأيت الحدود قد عطلت) بتركها أو ترك كميتها وكيفيتها (وعمل فيها بالأهواء) المستلزمة للاختلاف إذ الحدود متعينة والأهواء مختلفة والاتفاق نادر جدا.
(ورأيت المساجد قد زخرفت) بالذهب والنقش والصورة وظاهر كثير من الأصحاب أن تذهيب المساجد مطلقا وإن لم يكن بالنقش والتصوير والنقش مطلقا وإن لم يكن بالتذهيب والتصوير والتصوير مطلقا وإن لم يكن بالذهب وصورة حيوان حرام والاحتياط ظاهر (ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب) على الله والرسول وأولي الأمر وعلى سائر الناس وفي المحاورات (ورأيت الشر قد ظهر) أشار هنا إلى فساد أهل الزمان باعتبار ظهور الشر بينهم وأشار بقوله سابقا «وإذا رأيت الشر ظاهرا لا ينهى عنه ويعذر أصحابه» إلى فسادهم باعتبار عدم النهي عن المنكر عند ظهور الشر فلا تكرار (والسعي بالنميمة) أي ورأيت السعي بالنميمة قد ظهر والنميمة نقل الحديث من قوم إلى قوم للافساد وإثارة الشر بينهم وقد نم الحديث ينمه - وينمه من باب نصر وضرب - نما فهو نمام والاسم النميمة، ونم الحديث إذا ظهر فهو لازم ومتعد (ورأيت البغي قد فشا) بين الناس والبغي الظلم والتجاوز عن الحدود الشرعية والخروج عن طاعة الإمام العادل ومنه الفئة الباغية (ورأيت الغيبة تستملح) أي تعد مليحة حسنة مرغوبة وكل شيء حسن مرغوب فيه يقول العرب: هو مليح، والغيبة بالكسر أن يذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه فإن لم يكن فيه فهو البهت والبهتان وإن ذكر في وجهه فبينهما عموم من وجه (ويبشر به الناس بعضهم بعضا) لئلا يغفل أخوه الفاسق عن هذه الفضيلة التي اكتسبها هو بزعمه (ورأيت طلب الحج والجهاد لغير الله) بل للسمعة والرياء وإظهار التجلد والشجاعة وكسب الدنيا وغيرها من التخيلات المفسدة للعبادة وكذا غيرهما من العبادات وذكرهما على سبيل التمثيل (ورأيت السلطان يذل للكافر المؤمن) بالضرب والشتم والقتل وغيرها إما لكفره أو لعدم علمه بأن ذلك لا يجوز شرعا أو مع علمه به وعدم اعتنائه بالشرع.
(ورأيت الخراب قد أديل من العمران) الإدالة الغلبة وكان ذلك لمهاجرة الناس من العمران إلى