(ثم ردوا إلى الله موليهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين) ثم ردوا بعد الموت أو بعد الحشر إلى الله أي إلى حكمه وجزائه وهو يتولى أمرهم يعدل بينهم ولا يحكم إلا بالحق وله الحكم يومئذ لا لغيره ويحاسبهم في أقل زمان حتى قيل: في مقدار حلب شاة، لا يشغله حساب عن حساب وهذه الأمور وإن كانت لله تعالى ظاهرا لكنها له (عليه السلام) باطنا وهو سبحانه يكلها عليه ويفوضها إليه وإنما نسبها إلى ذاته المقدسة لأنه الآمر ولأن حكمه (عليه السلام) حكم الله تعالى وكثيرا ما ينسب ما لوليه إلى ذاته تعالى كما مر نظيره في آخر كتاب التوحيد.
(في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع) أشار إجمالا إلى ما دل على علو قدره من المناقب والمفاخر والكمالات التي لم يكن قليل منها لجميع الأمة وقد اتفقت عليه العامة والخاصة كما مر في كتاب الحجة وأوضحنا من طريق العامة أيضا كما أشار إليه أيضا في بعض خطبه بقوله: «وينحدر عني السيل ولا يرقى إلى الطير» كنى بالأول عن علوه وشرفه وفيضان العلوم والتدبيرات السياسية عنه واستعار لتلك الكمالات لفظ السيل وبالثاني إلى غاية أخرى من العلو إذ ليس كل مكان بحيث ينحدر عنه السيل وجب أن لا يرقى إليه الطير فكان ذلك علوا أزيد إذ لا تصل إليه عقول البشر ومن مناقبه هو العلم بكل شيء كما أشار إليه في بعض خطبه: والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه ولكن أخاف أن يكفروا في برسول الله (صلى الله عليه وآله). والحاصل أني أخاف أن يغلو في أمري ويفضلوني على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل كان يخاف أن يكفروا فيه بالله كما ادعت النصارى في المسيح حيث أخبرهم بالأمور الغايبة، ثم ذم ذما بليغا للخلفاء الثلاثة وأتباعهم وتفرقهم عنه وغصب الخلافة منه ومنازعتهم إياه واجتماعهم على من هو أولى منه مع الإشارة إلى أنهم كانوا من عبدة الأوثان فلم يكونوا مستحقين للخلافة وأمثال هذه الشكاية صدر منه (عليه السلام) في مواضع غير محصورة فقال:
(ولئن تقمصها دوني الأشقيان) (1) اللام دليل على قسم محذوف تأكيد لمضمون الشرط والجزاء والقمص لبس القميص يقال: قمصه تقميصا فتقمص إذا لبسه وضمير التأنيث للأمر المعلوم وهو الخلافة وتشبيهها بالثواب مكنية ونسبة التقمص إليها تخييلية ودون بمعنى التجاوز في محل النصب على الحال والاشقيان الأول والثاني والمعنى والله لئن لبس الاشقيان الخلافة متجاوزين عني غير تابعين لي فيها (ونازعاني فيما ليس لهما بحق) ثابت من الله ومن رسوله ولا لهما أهلية له بل هو لي من قبلهما وبالاستحقاق.
(وركباها ضلالة واعتقداها جهالة) ضلالة وجهالة بالنصب على المفعول له أو على التميز