النبوة فبقي الباقي على عمومه لأنه قضية الاستثناء ومن جملة منازل هارون من موسى أنه كان خليفة لموسى (عليه السلام) (اخلفني في قومي). وقوله تعالى حكاية عن موسى: (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) قال الآبي في كتاب إكمال الإكمال عند شرح هذا الحديث: قال ابن العربي: إنما قال (صلى الله عليه وآله) ذلك تأنيسا وبيانا لفضله حين قال أهل النفاق: إنما خلفه كراهية فيه، فإن قيل:
إن هارون (عليه السلام) أفضل الناس بعد موسى فكذلك يكون علي رضي الله عنه، أجيب بأن هارون (عليه السلام) إنما كان أفضل الناس لأنه كان رسولا انتهى.
أقول: كما جاز أن يكون النبي أفضل من غيره لنبوته جاز أن يكون غير النبي أفضل من غيره لاختصاصه بفضيلة لم توجد في غيره. فالجواب المذكور تحكم. وقال الآبي قال الآمدي: لا يخفى أن عليا رضي الله عنه كان مستجمعا لخلال شريفة ومناقب منيفة بعضها كاف في استحقاق الإمامة وقد اجتمع فيه من حميد الصفات وأنواع الكمالات ما تفرق في غيره من الصحابة حتى قيل: إنه من أشجع الصحابة وأعلمهم وأزهدهم وأنصحهم وأسبقهم إيمانا وأكثرهم جهادا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقربهم نسبا وصهرا منه كان معدودا في أول الجريدة وسابقا إلى كل فضيلة وقد قال فيه رباني هذه الأمة ابن عباس رضي الله عنه وسأله معاوية عنه قال: كان وكان، فلم يبق محمدة من محامد الدين والدنيا إلا وصفه بها مع ما ورد فيه من الآثار المنهية على مناقبه.
وذكر ابن عبد البر بإسناده إلى ضرار الصعداني وقال له معاوية: صف لي عليا يا ضرار؟
فقال: أعفني يا أمير المؤمنين. فقال: لا بد.
فقال: أما إذ ولابد من وصفه فكان والله شديد القوي، بعيد المدى، يقول فصلا، ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غريز الدمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان بيننا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويفتينا إذا استفتيناه، ونحن مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيك فعمرك قصير وخطرك قليل آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق» فبكى معاوية وقال رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك كيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها، ثم قال الآمدي: وهذه صفاته وأما إثبات إمامته فبإجماع الأمة عليها بعد قتل عثمان واتباعهم له ودخولهم تحت قضاياه بعده من غير منازع