النعيم) البؤس بالضم الفقر والحاجة وهذا مثل السابق في الاحتمال والحمل على الصبر (وما شر بشر بعده الجنة وما خير بخير بعده النار) أراد بالشر شر الدنيا وما يثقل على النفس فيها والخير حطام الدنيا وما تميل النفس إليه فيها وكل واحد منهما في معرض الفناء فلا يضر الأول إذا كان بعده الجنة ولا ينفع الثاني إذا كان بعده النار.
(كل نعيم دون الجنة محقور وكل بلاء دون النار عافية) صغر نعيم الدنيا وبلاؤها مع سرعة فنائها وعظمة نعيم الجنة وألم النار مع دوام بقائهما فلا تصرف عمرك في طلب الدنيا ونعمها ولا تحزن ببلائها وألمها إذا كان لك ما يوصلك إلى الجنان وينجيك من النيران (وعند تصحيح الضماير تبدو الكبائر) الضماير الأمور المستورة القلبية من العقايد والأخلاق وقد يطلق على القلوب وعلى الأمور المستورة مطلقا وتصحيحها في يوم القيامة وذلك يوم تبلى السرائر وعند ذلك يتميز الصحيح من السقيم والحق من الباطل ويظهر الفرق بينهما ظهورا تاما لا يشتبه على أحد ويجد كل ما أعد له وأما الدنيا فلكونها دار كمون (1) قد يدلس المدلسون ويدعون الحق ويذعن لهم القاصرون ويمكن أن يراد تصحيحها بالمحاسبة وكونها سببا لظهور الكبائر والفرار منها ظاهر.
(تصفية العمل أشد من العمل) هي جعله صافيا عن المقتضيات والمفسدات الداخلة والخارجة وخالصا لوجه الله تعالى غير ملحوظ فيه غيره حتى الفوز بالثواب والخلاص من العقاب هذه مرتبة علية ودرجة رفيعة لا يصل إليها إلا العارفون وقليل ما هم.
(وتخليص النية من الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد) النية هي القصد إلى إيقاع الفعل المأمور به شرعا وهذا وإن كان سهلا في بادي النظر لكنه صعب في نفس الأمر إذ النية ليست مجرد القول ولا مفهومه الحاصل في الذهن بل المعتبر فيها حقيقة هو ميل القلب إلى المنوي ميلا تاما بحيث لا يعتريه ما يوجب فساده بالكلية كالرياء والسمعة وقت الفعل وبعده إلى آخر العمر ولا ما يوجب فساد كماله كالأخلاق الذميمة وآثارها وتوجه النفس إلى الغير عند الفعل فتحقق هذا الميل موقوف على تطهير القلب عن الرذايل وتزيينه بالفضايل وتنزيهه عن حب الدنيا والميل إليها ولا يتحصل ذلك إلا بمجاهدات نفسانية ورياضات بدنية في مدة طويلة، ولا خفاء في أن تخليص النية عن هذا الفساد أشد من طول الجهاد أما أولا فلأن مجاهدة النفس والشيطان مجاهدة عدو لا يزال مخادعا ولا ينال غرضه إلا بالخروج في زي الناصحين للأصدقاء ولا شك أن جهاد مثل هذا العدو أشد من جهاد عدو مظهر للعداوة.
وأما ثانيا فلأن جهاد العدو الظاهر يقع في العمر مرة أو مرتين لا دائما بخلاف العدو الخفي فلا