انصرافها لا ترجع فاغتنم حضورها واعمل فيها للآخرة.
(لا ترغب فيمن زهد فيك) دل بحسب المفهوم على الرغبة في راغب فيك يدل على الأمرين قوله (عليهم السلام) «زهدك في راغب فيك نقصان حظ ورغبتك في زاهد فيك ذل نفس» والتجوز في الإسناد للمبالغة في السببية والوجه في الأول أن الراغب في شخص يبذل ماله لجهاته وله منه حظ ونصيب من جهات شتى إذا لم يزهد فيه وإن زهد فيه وأعرض عنه فات جميع ذلك فيكون ناقص الحظ والوجه في الثاني أن الراغب في الشخص المعرض عنه يصير حقيرا ذليلا بحسب ذاته وأفعاله وأقواله وسائر مقاصده وفيه إشارة إلى من ينبغي المخالطة معه ومن لا ينبغي.
(رب بعيد وهو أقرب من قريب) رب للكثير وفيه تنبيه على أن البعيد يصير بالإحسان والمحبة وحسن المعاشرة أقرب من القريب أو على أن الآخرة أقرب من الدنيا أو على أن الميت أقرب من الحي المصاحب لقرب الحي من الميت باللحاق وبعد الميت من الحي بالفراق (سل عن الرفيق قبل الطريق) فإنها مخوفة دقيقة واللصوص الظاهرة والباطنة كثيرة ولذا قال عز وجل: (وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله) وهو كناية عن وجوب متابعة أهل البيت عليهم السلام في سفر الآخرة أو الأعم الشامل للسفر المحسوس أيضا.
(وعن الجار قبل الدار) فيجب أن يعلم الشخص أولا حال من يصحبه فيقرب منه فإن كان حقيقا بالصحبة والجوار قرب وإلا بعد وهذا أيضا يحتمل الأمرين.
(ألا ومن أسرع في المسير أدركه مقيل) أي من أسرع إلى السير إلى الله والتزم مراد الله تعالى كان له مقيل حسن غدا كما هو معلوم في السفر الحسي.
(استر عورة أخيك لما يعلمها فيك) العورة كل ما يقبح ذكره ويذم به من العيوب الخلقية والخلقية والعملية فإذا علمتها من أخيك فاسترها منه لما تعلمها أنت أو لما يعلمها هو فيك ففي الأول تنبيه على أن من علم عيب نفسه ينبغي أن يشتغل عن عيب غيره وعلى الثاني على أنه يعامل معك مثل معاملتك معه فإن سترتها يسترها وإن أظهرتها يظهرها والإظهار مع ما فيه من المذلة توجب ثوران العداوة وانقطاع النظام والألفة وغير ذلك من المفاسد.
(اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك) الصديق الحبيب الخالص المحبة للواحد والجمع والمؤنث وهي بهاء أيضا ولابد لكل شخص من صديق في الرخاء للأنس بحضوره والاستلذاذ بصحبته وفي الضراء للإمداد والمعاونة فلو وقع منه زلة عمدا أو خطأ ينبغي الإغماض عنه والاغتفار له وإلا فلا تجد صديقا مرضيا من جميع الجهات. (من غضب على من لا يقدر على ضره طال حزنه وعذب نفسه) نفر عن الغضب عليه بذكر غايتين يتنفر عنهما الطبايع لأن الغضب مع عدم القدرة على إمضاء يوجب طول الحزن وعذاب