سبيل الدوام والثبات بما يدل على التجدد والاستمرار في جميع الأوقات للتنبيه على لزوم الاهتمام بحمده ويتجدد إرادته في جميع الآنات لأنه من أعظم الطاعات والقربات فلا ينبغي أن يكون مغفولا عنه في شيء من الساعات وأشار بالوصف الأول له إلى طلب كماله بالإخلاص الشافي النفس عن الرذايل الموجب للرضا والاختصاص وبالوصف الثاني إلى رجاء قبوله الموجب لمزيد الامتنان في الدنيا والرضوان في الآخرة. وهو حجة على من أنكر وجوب شيء عليه.
(وأشهد أن لا إله إلا الله) قالوا: هذه الكلمة أشرف كلمة منطبقة على جميع مراتب التوحيد (وحده لا شريك له) حال بتأويل منفردا وتأكيدا للحصر (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) قدم العبودية لتقدمها في الواقع ولتحقق معنى الترقي ولئلا يكون ذكرها بلا فائدة وإنما لم يقل: نشهد، كما قال نحمد للتنبيه على قلة المشارك في الأول وكثرته في الثاني (وإن من شيء إلا يسبح بحمده).
(شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل) أي كل واحدة من هاتين الشهادتين من صميم القلب وإذعانه وهي ترفع القول إلى درجة القبول كما قال سبحانه: (إليه يصعد الكلم الطيب) وهي التي صدرت من جهة الإذعان وصميم القلب لا بمجرد التقول بها وهذه الشهادة موجبة لتضاعف العمل لأن إخلاصها أصل لقبول الأعمال والعبادات وسبب لتضاعف الحسنات ولو لم تكن لم تقبل الأعمال فضلا عن المضاعفة.
(خف ميزان ترفعان منه وثقل ميزان توضعان فيه) قال الشيخ في الأربعين: ثقل الميزان كناية عن كثرة الحسنات ورجحانها على السيئات وقد اختلف أهل الإسلام في أن وزن الأعمال الوارد في الكتاب والسنة هل هو كناية عن العدل والإنصاف والتسوية أو المراد به الوزن الحقيقي فبعضهم على الأول لأن الأعراض لا يعقل وزنها وجمهورهم على الثاني للوصف بالخفة والثقل في القرآن والحديث.
والموزون صحائف الأعمال أو الاعمال نفسها بعد تجسمها في تلك النشأة، ثم قال: الحق أن الموزون في النشأة الأخرى هو نفس الأعمال لا صحايفها وما يقال من أن تجسم العرض طور خلاف طور العقل فكلام ظاهري عامي والذي عليه الخواص من أهل التحقيق أن سنخ الشيء أي أصله وحقيقته أمر مغاير بصورته التي يتجلى بها على المشاعر الظاهرة ويلبسها لدى المدارك الباطنة وأنه يختلف ظهوره في تلك الصور بحسب اختلاف المواطن والنشآت فيلبس في كل موطن لباسا ويتجلبب في كل نشأة بجلباب كما قالوا: إن لون الماء لون إنائه وأما الأصل الذي يتوارد هذه الصور عليه ويعبرون عنه تارة بالسنخ ومرة بالوجه وأخرى بالروح فلا يعلمه إلا علام الغيوب فلا بعد في كون الشيء في موطن عرضا وفي آخر جوهرا، ألا ترى إلى الشيء المبصر فإنه