(وحجب العقول أن تتخيل ذاته) أي تدركها وعبر عنه بالتخيل للتنبيه على أن العقل في عدم قدرته على إدراك ذاته كالخيال إذ الصور العقلية كالصور الخيالية في الحدوث والتجزي والتحليل والتحيز والاتصاف بالعوارض والافتقار إلى محل وعلة، وقدس الحق منزه عن جميع ذلك وإنما غاية عرفان العقل له أن يحكم بوجوده بالعنوانات العقلية ويعرفه بصفاته الإضافية والسلبية ثم علل المنع والحجب بقوله: (لامتناعها من الشبه والتشاكل) في التحليل والتوصيف والتصوير والتحيز والحلول والحاجة والتكيف والتشبه بالخلق وكل ذلك ممتنع في ذاته تعالى وبالجملة إدراك العقل والوهم حقيقة ذاته وصفاته يستلزم تشاكله وتشابهه بالخلق في الأمور المذكورة ونحوها وهي ممتنعة في حقه تعالى بل (هو الذي لا يتفاوت في ذاته) إشارة إلى نفي التركيب عنه مطلقا لأن كل مركب من أجزاء ذهنية أو خارجية له تفاوت في ذاته وذاتياته بالعموم والخصوص والمغايرة المباينة ونحوها أو إلى نفي اتصافه بصفات الخلق وتحقق التشابه بينه وبينهم لأن ذلك يوجب تحقق التفاوت في ذاته وأنه باطل بيان ذلك أن هويته المستفادة من قوله «بل هو» ذاتية مطلقة غير مضافة إلى الغير ومن كان كذلك فهو هو دائما من غير تبدل وتغير في ذاته وهويته فلو طرأ عليه المعاني وصفات الخلق لزم انتقاله من هويته الذاتية إلى هويته الإضافية فلزم التفاوت في ذاته وأنه محال ولما نفى التركيب واتصافه بصفات الخلق أشار إلى نفي اتصافه بصفات كماله كما زعمه طائفة من المبتدعة بقوله:
(ولم يتبعض بتجزية العدد في كماله) أي في صفات كماله أو بسببها لأن كلها عين ذاته وقد مر معنى العينية في كتاب التوحيد والمراد بتجزية العدد تحليله بأجزائه المستلزم للكثرة وإنما نفى التبعض والتجزى للتنبيه على أنه يلزم القائلين لزيادة الصفات أن يكون الواجب مجموع الصفة والموصوف لأن الواجب كامل بالاتفاق والبرهان والكامل هذا المجموع لا كل واحد منها بانفراده بالضرورة والقول بأن المجموع واجب الوجود أقبح وأشنع للزوم التركيب والحدوث والإمكان والافتقار من جهات شتى وإن كان القول بأن الواجب أحدهما دون الآخر أيضا باطلا بالضرورة.
(فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن) لاستحالة أن يكون له مكان ويكون البعد والفراق بينه وبينها مكانيا كما هو بين الأشياء المتباعدة بحسب الأمكنة بل المراد بمفارقته للأشياء مباينة ذاته وصفاته عن مشابهة شيء منها وهذه أمر سلبي اعتبره العقل له تعالى بعد الحكم بوجوده ولما كانت هنا مظنة أن يتوهم القاصرون من عدم كونه في مكان أنه غافل عن المكان وعما فيه كما يفعل عنها الخلق أشار إلى دفعه بقوله:
(ويكون فيها لا على وجه الممازجة) أي المداخلة والحواية كما يقتضيهما الظرفية بل بالعلم والإحاطة بها وبما فيها فقوله: لا على وجه الممازجة، قرينة صارفة للظرفية عن مقتضاها إلى ما