(وهو موقفكم ومسائلكم) عن دينكم وإمامكم وعقائدكم وأعمالكم ومكسب أموالكم ومصرفها لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وهو يسألها.
(فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمسائلة والعرض على رب العالمين) أي فأعدوا الجواب النافع لكم وحاسبوا أنفسكم قبل الوقوف بين يدي الله عز وجل وقبل المسائلة والعرض عليه ولعل الغرض من الأمر بإعداد الجواب هو الحث على الإتيان بما فيه رضاه وفي ذكر الرب ترغيب فيه لأن من أخرجكم من العدم إلى الوجود ورباكم من حد النقص إلى الكمال استحق منكم الإتيان بمراضيه والاجتناب من مناهيه.
(يومئذ لا تكلم نفس إلا بإذنه) هذه الكلمة الشريفة محركة إلى الخيرات كلها فإن كل أحد يتشبث يوم القيامة بأمر ينجيه من العذاب مثل الشفاعة والطاعة والإحسان إلى الخلق وغيرها مما فيه رضاه تعالى وكلفه به فإنه كان صادقا يؤذن له ويصدق وإلا فلا كما أشار إليه بقوله (واعلموا أن الله لا يصدق يومئذ كاذبا) فإن الكذب غير مصدق خصوصا في ذلك اليوم الذي لا رواج للكذب فيه وهو يوم بروز الكامنات وظهور الفاضحات ولا يكذب صادقا فيما توسل به كيف وهو يوم ينفع الصادقين صدقهم ولا يرد عذر مستحق لقبوله كمن ترك الصلاة قائما وصلاها جالسا أو موميا أو مع النجاسة لعدم القدرة أو تبرء من الإمام ظاهرا أو لم يظهر الإيمان للتقية وأمثال ذلك مما له عذر.
(ولا يعذر غير معذور) عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب رفعت منه اللوم فهو معذور أي غير ملوم والاسم العذر أي يلوم ويعاقب من ليس له عذر في ترك ما أمر به من طاعته وطاعة رسوله وطاعة ولي الأمر بعدها إذ ليس له حجة وعذر على الله بعد البيان وإنما الحجة لله عليه كما أشار إليه بقوله: (له الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل) فمن أعرض عنهم ورجع إلى الطاغوت واتبع هواه في زهرات الدنيا وأصول الدين وفروعه محجوج معاقب يوم التناد وملوم معاقب على رؤوس الأشهاد ولما كانت التقوى أعظم ما ينتفع به العبد في الدنيا والآخرة حث عليها بقوله: (فاتقوا الله عباد الله بلزوم خوفه) في مراعاة حقوقه وحقوق خلقه، والتقوى: ملكة واقية للعبد عما يورث الندامة يوم القيامة وموصلة له إلى أرفع المقام وأشرف الكرامة كما قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
(واستقبلوا في إصلاح أنفسكم) فيما بينكم وبين الخالق والمخلوق وحقيقته تهذيب النفس عن الرذائل وتزيينها بالفضائل، وتعدية الاستقبال في باعتبار تضمينه بمعنى السعي أو الشروع أو هي بمعنى على كما في قوله تعالى: (ولأصلبنكم في جذوع النخل).
(وطاعة الله وطاعة من تولونه فيها) أول الطاعة معرفتهم والتصديق بما يليق بهم ثم الانقياد