تنشأ من الشعور بعظمة الرب وهيبته وخوف الحجاب عنه بسبب الوقوف على النقصان والتقصير في أداء حقوق العبودية ورعاية الأدب فهي خوف خاص وإليه يرشد قوله تعالى: (ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب).
(فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله) نهى عن اكتساب المعصية مطلقا ومنها الدنيا المانعة من الطاعة أو المفيضة إلى ترك الطهارة كبعض الأسفار للتجارة (واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله) في أوقاتها بشرايطها.
(واغتنموا أيامها) إذ لا يمكن التدارك بعد الفراغ من الدنيا وضمير التأنيث لها وللطاعة (واسعوا لما فيه نجاتكم غدا) من عذاب الله من المفروضات والمندوبات.
(فإن ذلك أقل للتبعة وأدنى من العذر) أي أقرب منه والتبعة بفتح التاء وكسر الباء على أحد من حق الغير سمي بها لأن صاحبه يتبعه ويطلبه ويطلب منه، وفيه تنبيه على أن العبد وإن اجتهد في الطاعة هو بعد في مقام التقصير إلا أن عذره لقلة تبعته قريب من القبول. (وأرجى للنجاة من العقوبة) وفيه إشعار بأن العامل المطيع لا ينبغي له الجزم بنجاته والاعتماد بعمله وإنما له رجاء النجاة كما دلت عليه الآيات والروايات والله سبحانه لا يخيب رجاءه إن شاء الله.
(وقدموا أمر الله.. اه) أمر بتقديم أمر الله تعالى وطاعة الإمام المنصوب من قبله على جميع الأمور الدنيوية وإن كانت مباحة ولا يتحقق ذلك إلا بمراقبة العبد جميع حركاته وسكناته (ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت.. اه) من الأولى بيان للأمور أو ابتدائية لها وكذا الثانية يعطفها على الأولى من غير عاطف وتركها شايع ويحتمل أن يكون الثانية بيانا لطاعة الطواغيت أو ابتدائية لها والمراد بزهرة الدنيا متاعها سمي بها لحسنه وزينته ونضارته وكثرة خيره عند أهله وقد نهى (عليه السلام) عن تقديم طاعة الطواغيت من الجن والإنس وتقديم زهرات الدنيا ومتاعها على أمر الله وطاعته وطاعة أولي الأمر كما هو شأن أكثر الناس ذلك يوجب الدخول في النار وغضب الجبار كما نطق به الآيات والروايات.
(واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم) أي بين أظهركم إن أريد به المعية في الوجود أو عالمون بأحوالكم وأعمالكم وقد مر في الأصول أنهم عليهم السلام يعلمونها وفيه على الأول إشارة إلى أنه ينبغي تصحيح جميع الأعمال والأخلاق.
(يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا) أي يحكم علينا من جهة الهداية والإرشاد وعليكم من جهة الطاعة والانقياد سيد متول لأمور الخلائق، حاكم عليهم غدا صبح يوم القيامة لا يرد أحد حكمه.