ملمات الفتن» والملمة: النازلة من نوازل الدهر والمراد بالفتنة: فتنة الخلفاء وبني أمية وأضرابهم وأتباعهم الجارية من صدر الإسلام إلى يومنا هذا وكونها فتنة ومحنة ظاهر لشدتها على الإيمان وأهله وكثرة بلوى أهل الدين فيها بالقتل والأذى ونحوهما ويكفي في عظمتها هتكهم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقتلهم الحسين (عليه السلام) وذريته وأصحابه وشيعته وسب أمير المؤمنين (عليه السلام) ثمانين سنة وما أحدثوا من البلاء على شيعتهم إلى غير ذلك من منكراتهم المعروفة الجارية إلى آخر الدهر وإنما وصفها بالظلمة لأن الواقع فيها لا يجد إلى الناصر سبيلا وإلى سبيل الخلاص دليل كالساير في الظلمة وحمل الفتنة على الأعم محتمل.
(وحوادث البدع) البدعة كل ما أحدث في الدين مما لم يكن في عهد سيد المرسلين وصفها بالحدوث للكشف والإيضاح وقد أحدث العادلون عنه أحكاما غير محصورة خارجة من قانون الشرع وقع به الهرج والمرج وأنواع الشرور على أهل الإيمان (وسنن الجور) هو الظلم والضلال عن طريق الحق والسنة إذا أطلقت يراد بها ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) وإذا أضيفت يراد بها معنى تقتضيه الإضافة فالمراد بها هنا طريقة الجاير وسيرته الخبيثة كغصب الفيء والأموال وقتل النفوس والإضلال وغير ذلك من أنواع الظلم والعدوان وأنحاء البغي والطغيان. (وبوائق الزمان) أي غوائله وشروره واحدها بايقة وهي الداهية وكل ما يصعب على النفس تحمله (وهيبة السلطان) هاب الشيء يهابه إذا أخافه والهيبة المخافة وإضافتها إضافة المصدر إلى المفعول.
(ووسوسة الشيطان) لمن وجده أهلا لها ومستعدا لقبولها ليرده عن طريق الحق بالارتداد كما رد بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كثيرا من الصحابة والتابعين والشيعة ولم يبق منهم على دين الحق إلا أعناق الإسلام وأعراق الإيمان.
(لتثبط القلوب عن تنبهها) أي تشغلها وتعوقها لكمال حيرتها ودهشتها عن فطنتها ويقظتها أو عن إدراكها وجه فسادها وكيفية التخلص منها وهذا في اللفظ خبر وفي المعنى زجر عن تثبط القلوب بأمثال هذه الموانع عن الحق ومعرفة أهله بالتفكر في أن هذه الأمور خارجة من القوانين العدلية وزمانها قليل منصرم وعقوبة مخالفة الحق وأهله شديدة دائمية.
(وتذهلها عن موجود الهدى) أي تنسيها عن الهدى الموجود بينهم وهو الإمام المنصوب من قبل الله تعالى أو دينه الحق والقرآن الكريم وعرفة أهل الحق وهم الأوصياء وأتباعهم ولعل الذهول المفهوم من الإذهال كناية عن الترك والخروج من الحق إلى الباطل (إلا قليلا ممن عصم الله) وهم الذين آمنوا بالله وبرسوله وبالأئمة عليهم السلام في الميثاق وقد مر في كتاب الحجة أن من آمن بهم في الدنيا ولم يؤمن بهم في العهد الأول كان إيمانه غير مستقر ويخرج من الدنيا بغير إيمان.