(وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم) إيثارهم إما بطلب الزائد عن قدر الحاجة أو بطلبه من شبهة أو من غير حل أو بمنع الحقوق خوفا من النقص أو بطلبها المفضى إلى التقصير في العمل للآخرة أو إلى تركه رأسا أو إلى إنكاره وإنكار أهله سيما الإمام الهادي، وسوء المنقلب متفاوت وكل لاحق أسوء منقلبا من السابق.
(وما العلم بالله والعمل إلا الفان مؤتلفان) وفي المصباح: ألفته من باب علم آنسته وأحببته واسم الفاعل أليف مثل عليم وآلف مثل عالم، وفي القاموس: الألف بالكسر والألف ككتف الأليف وعلى هذا يجوز في الفان مد الألف وكسرها وفتحها مع كسر اللام، وفي وصفهما بالإيتلاف مبالغة في وجود الألفة بينهما حتى لا يرضى أحدهما وجوده بدون الآخر كما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام):
«العلم مقرون إلى العمل فمن علم عمل ومن عمل علم والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه».
(فمن عرف الله خافه) لظهور أن من عرف عظمته وكبرياءه وغناه عن الخلق وغضبه وقهره وكمال قدرته عليهم وعلى تعذيبهم واهلاكهم من غير أن يسأله سائل أو يمنعه مانع أو يعود إليه ضرر وعرف كمال إحتياجهم إليه في الوجود والبقاء في جميع الحالات حصلت له حالة نفسانية موجبة لاضطرابه تحت الهيبة وهذه الحالة تسمى خوفا ولها مراتب غير محصورة بحسب تفاوت مراتب المعرفة.
(وحثه الخوف على العمل بطاعة الله) لأن الخوف يحرك الخائف إلى ما يوجب القرب والاستعداد لفيضه ورفض ما يورث البعد عنه والاستحقاق لفيضه فيعمل بطاعته ويطهر ظاهره وباطنه عن الرذايل الموجبة للعقوبة والخذلان وبزينهما بالفضايل الموجبة للأمن والأمان (وأن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله وعملوا له ورغبوا إليه) الموصول خبر ان والمراد بأرباب العلم الأئمة عليهم السلام أو علماء الشيعة أيضا وبأتباعهم الشيعة وأما غيرهم فلم يعرفوا الله ولم يعملوا له لأن أصولهم فاسدة وطاعتهم باطلة.
(وقد قال الله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء)) هم العلماء الربانيون الذين لهم معرفة بالله وبدينه على وجه يمنعهم من الركون إلى الدنيا وشهواتها ويزجرهم عن متابعة النفس ومشتهياتها ويبعثهم على عمل الآخرة وهم الموصوفون بالخشية وغيرها من الكمالات، ثم الخوف والخشية في اللغة بمعنى واحد فتم الاستشهاد بالآية إلا أن بينهما في عرف العارفين فرقا كما أشار إليه المحقق الطوسي في أوصاف الأشراف وهو أن الخوف ألم النفس من المكروه والمنتظر والعقاب المتوقع بسبب احتمال فعل المنهيات وترك الطاعات، والخشية: حالة نفسانية