(فسرورها مشوب بالحزن) أي مختلط مشبك به وفي بعض النسخ مشرب والإشراب: خلط لون بلون آخر كان أحد اللونين سقي اللون الآخر والتشريب مثله مع المبالغة والتكثير، والمراد به هنا مطلق الخلط وهذا ناظر إلى وصل البلاء بالرخاء.
(والبقاء فيها إلى الضعف والوهن) كما قال عز وجل: (ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة) ولعل العطف للتفسير ويمكن أن يراد بالضعف ضعف القوى والحواس وبالوهن وهن العظم وسائر الأعضاء وهذا ناظر إلى وصل البقاء بالفناء.
(فهي كروضة اعتم مرعاها) اعتم النبت بشد الميم: اكتهل أي أتم طوله وظهر نوره (وأعجت من يراها) بحسن منظرها وكمال زينتها.
(عذب شربها) استعار الشرب بالكسر وهو الماء للذات الدنيا ورشحها بذكر العذب في ميل الطبع إليها (طيب تربها) لما فيه من أنواع الأشجار والأزهار والأثمار وغيرها مما يعجب النفس ويبعث الميل إليها.
(تمج عروقها الثرى وتنطف فروعها الندى) الثرى بفتح الثاء والراء: الندى التراب الندى أو الذي إذا بل لم يصر طينا لازبا ولعل المراد هو الأول والمج الرمي يقال: مج الرجل الماء من فمه من باب نصر إذا رماه. ونطف الماء من باب نصر وضرب إذا قطر قليلا قليلا أو إذا سال والمقصود بيان كثرة مائها بحيث ترميه عروقها وفروعها وإنما قلنا: لعل لأنه لو أريد الثاني لكان له أيضا وجه وهو أي عروقها ترمي التراب عن جنبيها وتنقب فيه لقوتها.
(حتى إذا بلغ العشب أبانه) العشب بالضم: الكلاء ما دام رطبا وأبان الشيء وقت ظهوره وكماله والنون أصلية فيكون فعالا بكسر الفاء وقيل: هي زايدة وهو فعلان من أب الشيء إذا تهيأ للذهاب.
(واستوى بنانه) وتم قوته (هاجت ريح تحت الورق وتفرق ما اتسق) حت الورق بتشديد التاء فركها وقشرها فانحتت وتحاتت أي سقطت والورق محركة من الشجر معروفة والواحدة بهاء وتطلق على جمال الدنيا وبهجتها أيضا، وتفرق من التفريق وعطف على تحت والمراد به تفريق انتظامها وإزالة اجتماعها حتى كان لم تكن كما أشار إليه بقوله: (كما قال الله تعالى (هشيما)) أي مهشوما مكسورا (تذروه الرياح) أي اطارته من مكانه إلى أمكنة متفرقة (وكان الله على كل شيء مقتدرا) في غاية الاقتدار على إيجاده وإفنائه بلا مانع يمنعه ولا دافع يدفعه (انظروا في الدنيا في كثرة ما يعجبكم وقلة ما ينفعكم) ختم الكلام بعد ذم الدنيا والركون إليها بالنهي عن الاغترار بكثرة ما يعجبكم منها وعلله بقلة ما ينفعكم منها وقوله: «في كثرة» بدل لقوله: «في الدنيا» أو «في» بمعنى على أو مع والله ولي التوفيق.