بقوله: «ليتم» ليحق وإنما عدل إليه للتفنن ووجهه يعلم مما ذكر، ويمكن أن يكون فيه إيماء إلى أن علمه تعالى بإستحقاقهم للثواب كاف في الإثابة ولأعمالهم مدخل في تمامها وكمالها ويؤيده ظاهر بعض الآيات والروايات.
(فتدبروا ما قص الله عز وجل عليكم في كتابه الكريم مما ابتلى به أنبياءه عليهم السلام وأتباعهم المؤمنين) يظهر ذلك بالتأمل في أحوال الماضين من المؤمنين كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء كانوا أثقل الخلايق عناء وأجهدهم بلاء وأضيقهم حالا وأقلهم مالا، اتخذهم الفراعنة عبيدا وآذوهم شديدا وساموهم سوء العذاب وراموهم إلى أشد العقاب فلم تبرح الحال بهم في الهلكة وقهر الغلبة، لا يجدون حيلة في امتناع ولا وسيلة إلى دفاع وقد جرت سنة الله في عباده الصالحين بالاختبار والامتحان والتمحيص وما يلقاها إلا الصابرون الفائزون وهم خير عاقبة عند الله تعالى في الدنيا والآخرة وهم المؤمنون المفلحون فتأس بهم عند نزول البلاء وقل: مرحبا بشعار الصالحين.
(ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء) الصبر وإن كان من فعل البعد ولذلك وقع التكليف به لكن التوفيق والقوة المعدة له من فعله تعالى، والضراء الحالة التي تضر وهي نقيض السراء وهما بناءان للمؤنث ولا مذكر لهما (والشدة والرخاء) لعل المراد بالفقرة الأولى ما يتعلق بالبدن مثل الصحة والسلامة والأمراض ونحوها وبالثانية ما يتعلق بالمال كضيق العيش وسعته وفي الرخاء والسراء أيضا ابتلاء لكثرة ما يطلب فيهما وقد ذكرنا توضيح ذلك في أول كتاب الكفر والإيمان.
(مثل الذي أعطاهم) من الصبر والتوفيق له والقوة عليه والعائد إلى الموصول محذوف.
(وإياكم ومماظة أهل الباطل) هي شدة المخاصمة والمنازعة مع طول اللزوم في أمر الدين والدنيا وقد ذكرنا مفاسدها آنفا.
(وعليكم بهدى الصالحين) الهدى بفتح الهاء وفد تكسر وسكون الدال السيرة والطريقة والهيئة وأما ضم الهاء وفتح الدال هنا بمعنى الرشاد فبعيد، ثم ذكر للصالحين ثمانية أوصاف هي أمهات الفضايل وأمر بالاقتداء بهم فيها أولها الوقار وهو أصل للسبعة الباقية لأن الوقار سكون النفس بالله وعدم اضطرابها لشيء مما سواه وهو في الحقيقة يتحقق بالإعتدال في القوة العقلية والشهوية والغضبية فإذا تحقق هذا حصلت سكينة الأعضاء وصفة الحلم الموجب للعفو عن الأنام والصفح عن الانتقام، وصفة التخشع لله ولرسوله ولجميع المؤمنين، وصفة الورع عن المحارم، وصدق اللسان في الأقوال كلها، والوفاء بعهد الله وعهد الناس، والاجتهاد في العمل لله خالصا ثم