قام مقامه فيه والفرق بين الثلاثة أن الظالم الخارج عن الدين مكره وخدعته لقصد إخراج الغير منه تابع لفساد قوته العقلية، والحاسد بغيه وعداوته في زوال نعمة الغير على الأنحاء الممكنة وإرادتها لنفسه تابع لفساد قوته الشهوية، والجبار تسلطه وبطشه تابع لفساد قوته الغضبية والكل خارج عن حد العدل داخل في رذيلة الإفراط.
(أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا المائلون إليها المفتتنون بها المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد وهشيمها البائد غدا) الطاغوت: الطاغي المتمرد عن أمر الله وكل ما عبد من دون الله ويأتي للواحد والجمع والمراد به هنا الراغب المنهمك في الدنيا وجمع أسبابها كسلطان الجور ومن دونه على تفاوت درجاتهم فلا يضلنكم ولا تمدن عينيك إلى ما هم فيه من كثرة النعم والتسلط على الغير فإنها حجب حائلة بين العبد والرب لو كانت مباحة فكيف إذا كانت محرمة، والحطام بالضم: «خرد وشكسته وريزه چيزى» والهامد: البالي المسود المتغير، واليابس من النبات والهشيم: «كياه ريزنده خشك درهم شكسته وضعيف»، والهاشم: الكاسر والبائد الزائل الهالك، و «غدا» ظرف له أو للهامد أيضا وهو كناية عن وقت الموت أو قبله في أقرب الأوقات أو بعده يوم القيامة أو الجميع والمراد بالحطام والهشيم متاع الدنيا سماه بهما ووصفه بما ذكر تحقيرا له وتنفيرا عنه على سبيل الاستعارة ووجه المشابهة أن معناهما وهو النبات اليابس كما أنه لا نفع له بالنسبة إلى ما تبقى خضرته ونضرته ويكون ذا ثمرة كذلك متاع الدنيا بالنسبة إلى الأعمال الصالحة النافعة الباقية في الآخرة على أن في الهشيم لو كان بمعنى الهاشم إشارة إلى معنى آخر وهو أنه يكسر عقله في الدنيا وقدره في الآخرة كما أن في وصفه بالبائد إشارة إلى انقطاعه وزواله سريعا فلا ينبغي أن يتوجه العاقل إلى الكاسر له والزائل عنه وقد ذكر للطواغيت وأتباعهم أوصاف أربعة مترتبة:
الأول: الرغبة في الدنيا وهي بمنزلة إرادتها بعد تصور منافعها الزائلة، والثاني: الميل إليها وهي بمنزلة العزم لها.
والثالث: الافتتان بها أي إصابة فتنتها وقبول ضلالها حتى يذهب العقل الداعي إلى الخيرات الأخروية ويحصل القوة الداعية إلى الدنيا وجمع زخارفها.
والرابع: الإقبال عليها وصرف العمر في تحصيلها وضبطها.
(وأحذروا ما حذركم الله منها) ضمير الموصول محذوف وضمير التأنيث راجع إلى الدنيا ورجوعه إلى الموصول باعتبار إرادة الدنيا والمعصية منه لا يناسب قوله: (وأزهدوا فيما زهدكم الله فيه منها) كما لا يخفى وآيات التحذير والتزهيد أكثر من أن تحصى.