الكلمة الحسنى هي الشهادتان وغيرهما من الأقوال المطابقة للقواعد الحقة أو العبادة الحسنى أعني العبادة الواقعة على التوافق بين الظاهر والباطن المعراة عن صفة النفاق وحقيقتها أن تعبد الله كأنك تراه وقد عبر عنها بالاحسان والإخلاص اللذين هما شرط في صحة الإيمان والعلم جميعا (والعتبى توبة) أي ندامة عما فعل وعزما على عدم الإتيان بمثله وأما مجرد الندامة بدون ذلك العزم فليس بتوبة (والتوبة طهورا) أي مطهرا من الذنوب إذ التوبة تغسل النفس عن الخباثة كما أن الماء يغسل الثوب عن النجاسة.
(فمن تاب اهتدى) أي فمن تاب من الذنوب التي منها النفاق اهتدى إلى الحق ورفع عنه أغلال الذنوب المانعة من الوصول إلى رحمته.
(ومن افتتن) بالادناس والذنوب (غوى) عن سبيل الحق وضل عنه (ما لم يتب إلى الله ويعترف بذنبه) فإنه إذا تاب واعترف اهتدى إذ لا ذنب مع التوبة ولا غواية مع الاعتراف (ولا يهلك على الله) بعد الهداية وتقرير التوبة. (إلا هالك) بلغ الغاية في استحقاق العقوبة وهذا كما تقول: لا يعلم الفن من هذا العلم إلا عالم أي بلغ الغاية في العلم.
(الله الله) أي اتقوا الله أو احذروا الله والتكرير للتأكيد وقد يراد به التعجب (فما أوسع مالديه من التوبة) عن الذنوب.
(والرحمة) للعباد بعد استحقاقهم للعقوبة (والبشرى) بالرحمة وقبول التوبة وإن بلغت النفس الحلقوم (والحلم العظيم) حيث لم يعجل في أخذهم بالمعصية رحمة بهم لعلهم يرجعون عنها بالتوبة والاعتراف بالتقصير (وما أنكل ما عنده من الأنكال والجحيم) النكل بالتحريك منع الرجل وتبعيده عما يريد والنكال بالفتح العقوبة التي تنكل الناس عن فعل ما جعلت له جزاء والنكل بالكسر والسكون القيد لأنه ينكل به أي يمنع وجمعه أنكال ونكول، والجحيم من أسماء جهنم، وأصله ما اشتد لهبه من النيران.
(والبطش الشديد) البطش الأخذ القوى الشديد والوصف للتأكيد وفيه إشارة إلى نوع آخر من العقوبة (فمن ظفر بطاعته اجتنب كرامته) أي تحفه وهداياه الخاصة لأوليائه والمنزل الرفيع في الدنيا والآخرة; لأن أصل الطاعة كرامة مستلزمة لكرامات اخرى غير محصورة كما هو معلوم لأرباب الطاعة وأصحاب العرفان.
(ومن دخل في معصيته ذاق وبال نقمته) الوبال في الأصل الثقل والمكروه ويراد به العذاب في الآخرة والنقمة السخط والغضب والعقوبة ومن أسمائه المنتقم وهو المبالغ في العقوبة مفتعل من نقم ينقم من باب علم إذا بلغت به الكراهة حد السخط وكما أن رحمته عظيمة كذلك نقمته