(ولا أبكي وتشتد حسراتي على عصياني وتفريطي) الظاهر أن تشتد عطف على أبكي وكونه حالا عن فاعله محتمل وقوله: «على عصياني» متعلق به وبأبكي على سبيل التنازع وفيه تعجب من انعكاس حاله حيث طلب الدنيا وبكى على عدم نيلها ولم يطلب الآخرة ولم يبك على الإتيان بما يوجب خرابها مع أن الدنيا دار الفرار والآخرة دار القرار.
(رب دعتني دواعي الدنيا) هي الشهوات الدنياوية والرغبات النفسانية والشيطانية والقوى الجسمانية. (فأجبتها سريعا) من غير إبطاء ولا توان.
(وركنت إليها طائعا) من غير كراهة ولا تثاقل. (ودعتني دواعي الآخرة) أي الأوامر الإلهية والنبوية والمثوبات الجزيلة الباقية الاخروية.
(فتثبطت عنها) أو تعوقتها وإشتغلت عنها بغيرها يقال ثبطه عن مراده تثبيطا إذا عوقه وشغله عنه فتثبط. (وحطامها الهامد) شبه متاع الدنيا بالحطام وهو بالضم ما تكسر من اليبس ووصف الحطام بالهامد وهو النبات البالي اليابس للمبالغة في ذمه وتكسره وعدم نضارته وخروجه عن حد الانتفاع به. (وهشيمها البائد) الهشم الكسر والهشيم المكسور فعيل بمعنى مفعول والبائد الهالك من باد يبيد إذا هلك وفي تشبيه متاع الدنيا به مبالغة في التنفير عنه لذهاب مائه وعدم روائه وقلة نضرته وزوال خضرته، ويمكن أن يكون الهشيم بمعنى الهاشم للإشعار بأنه مع كونه هالكا في نفسه كما مر مهلك لمن تمسك به وركن إليه.
(وشرابها الذاهب) الشراب بالفتح ما يشرب من الماء وغيره من المايعات، وفي بعض النسخ «سرابها» بالسين المهملة وهو ما تراه نصف النهار كأنه ماء وليس بماء، شبه به متاع الدنيا في انه ليس بشيء والمبالغة في التنفير عنه مؤيدة له والذاهب مؤيد للأول لإفادته بحسب الظاهر انه شيء لا اعتناء به لأنه ذاهب منقطع.
(رب خوفتني) من مخالفتك وعقوبتك. (وشوقتني) إلى طاعتك ومثوبتك. (واحتججت علي برقي) أي بأني عبد مملوك لك يجب على طاعتك كما يجب على العبد طاعة مولاه.
(وكفلت برزقي) كما صرحت به في مواضع من القرآن الكريم والكافل الضامن كالكفيل وقد كفل به كضرب ونصر وكرم وعلم ضمنه.
(فأمنت خوفك) الخوف يوجب فعل الطاعات وترك المنهيات والأمن يوجب عكس ذلك فهو كناية عن ترك ما ينبغي فعله وفعل ما ينبغي تركه.
(وتثبطت عن تشويقك) فاشتغلت بما يوجب سخطك وعقوبتك. (ولم أتكل على ضمانك) برزقي فاضطربت في تحصيله وإكتسابه من أي وجه كان مشتغلا به عن أمر الآخرة.