على أمر دينك ومعادك ومقارنته جفاء وقسوة، ومدخله ومخرجه عليك عار، وأما الأحمق فإنه لا يشير عليك بخير ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه وربما أراد منفعتك فضرك، فموته خير من حياته وسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه، وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش ينقل حديثك وينقل إليك الحديث، كلما أفنى احدوثة مطها باخرى حتى أ نه يحدث بالصدق فما يصدق ويغري بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم».
* الشرح:
قوله: (ينبغي للمسلم أن يجتنب مواخاة ثلاثة: الماجن والأحمق والكذاب) مجن مجونا من باب قعد صلب وغلظ وهزل ورفث أي أفحش في منطقه، ولا يبالي قولا وفعلا فهو ماجن وقد بالغ في الزجر عن مواخاة الأحمق بقوله:
(وربما أراد منفعتك فضرك) وذلك لأنه لا يعرف موارد الكلام وحقائق الامور وآثارها وفوائدها ومفاسدها ومنافعها ومضارها، فربما يقول شيئا مثلا ويعتقد أنه نافع وهو ضار، وأشار إلى بعض من صفات الكذاب الداعية إلى ترك مواخاته بقوله:
(وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش ينقل حديثك وينقل إليك الحديث) وبذلك يفتح بينك وبين بني نوعك باب الفساد الذي لا يمكن سده بشيء.
(كلما أفنى احدوثة مطها باخرى) أي مدها والأحدوثة واحد الأحاديث وهي ما يتحدث به، (حتى أنه يحدث بالصدق فما يصدق); لأن الكذوب قد يصدق إلا أنه لا يصدق لشهادة حاله على كذب مقاله (ويغري بين الناس بالعداوة) للافتراء عليهم ونقل كلام كل إلى الآخرين (فينبت السخائم في الصدور) السخيمة والسخمة بالضم الحقد، وفي بعض النسخ الشحناء بالشين والحاء المهملة وهو البغض والحدق وفي بعضها «الشجنا» بالشين والجيم من الشجن بالتحريك وهو الهم والحزن، والكل مناسب، والإنبات استعارة تبعية وهذه الخصلة هي ثمرة مصاحبة الكذابين وهي خصلة شنيعة ذميمة لكونها منافية للنظام، قاطعة للالتئام، مؤدية إلى شيوع القتل والنهب والسبي في الأنام.
(فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم) لما كان الكذاب ذليلا في نفسه مذلا لغيره وبين (عليه السلام) مضاره نبه هنا بأنه لابد لكل أحد من أن ينظر لنفسه ويعرف حال من يريد مؤاخاته ومصادقته ولا يعتمد على ظاهر حاله في بادىء الرأي لئلا يتخذ مصاحبا ذليلا مذلا.