شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١٠ - الصفحة ٢٠
منه) أي احمل أمر أخيك قولا كان أو فعلا على أحسنه وإن كان مرجوحا وكان خلافه راجحا (1) مظنونا من غير تجسس حتى يأتيك اليقين على خلافه. فإن الظن قد يخطئ والتجسس منهي عنه
(1) قوله: و «إن كان مرجوحا وكان خلافه راجحا» يعني ليس ظاهر الكلام حجة في الحكم بالتضليل والتفسيق، وإن كان حجة في الحكم بالإسلام وفي المعاملات والأقارير، وربما يغفل عن ذلك الجاهل فيحمل كلام الناس على الفساد كالغلو أو التفويض والجبر والتعطيل وأمثالها بظاهر يحتمل الخلاف بل مع قيام قرينة عقلية على إرادة خلاف الظاهر بل بلوازم الكلام عند نفسه وإن لم تكن تخطر ببال أحد قط بل يحكم بتضليل رجل بظاهر كلام صاحبه ومن لم يثبت موافقته له. ولذلك أمثلة كثيرة: منها تكفير العوام بقولهم:
شفاني العباس بن علي (عليهما السلام) من هذا المرض وأعطاني أبو عبد الله (عليه السلام) الحسين (عليه السلام) هذا الولد وهذا المال، فيقال: هذا نسبة فعل الله إلى غيره وتعطيله تعالى عن فعله وهو شرك أو كفر والحاد، ومثله نسبة فعله تعالى إلى الأسباب الطبيعية والروحانية كقولهم: أنبت الربيع البقل، وأينعت الثمار بحرارة الشمس، وشفي المريض بالدواء أو بالتربة المقدسة، وتصور الجنين في الرحم بفعل الملائكة المصورة، وأفيض العلم على النفوس من العقول المجردة ولم يقل أحد بأن نسبة الفعل إلى تلك الأسباب كفر وإن كان ظاهر الكلام يقتضي نسبة الفعل إليها مستقلا بالمباشرة كما إذا نسب القتل والسرقة إلى زيد في مقام الشهادة اقتضى المباشرة والاستقلال، ولكن القرينة العقلية والعادية دالة على عدم إرادة نسبة فعل الله تعالى إلى الأسباب واستقلالها فيه، وقال الحكماء: لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى، وهو تصريح بأن الأسباب غير مؤثرة. وأيضا ربما لم يكن المتكلم بالكلام وليا أو نبيا أو عاقلا حكيما متفطنا لجميع النكات التي يجب مراعاتها فيأتي بكلام يفيد ظاهره شيئا لا يريده ولا يقيم قرينة على خلافه لعدم تنبهه، ويجب درء كل تهمة عن الناس بالشبهة المحتملة ، والحاصل أن ظاهر الكلام إن دل على ضلال المتكلم واحتمل خلافه مرجوحا يجب حمل كلامه على ذلك الوجه المحتمل. وأما نسبة الضلال إليه باللوازم المستخرجة بالتكلف من كلامه أو بصدوره من غيره الموافق له في الجملة في طريقته فغلط جدا وهو من سير الظلمة وولاة الجور لا من طريقة العلماء، ولذلك أمثلة منها:
تكفير الروافض مطلقا لقول بعض من يسمونه رافضيا بالوهية أمير المؤمنين (عليه السلام) وتكفير الصوفية مطلقا لقول بعضهم بحلول ذات الواجب في الممكنات وتضليل المنجمين مطلقا لقول بعضهم بألوهية النجوم وتكفير الحنابلة بأن بعضهم قال بالتجسيم، ومن لوازم الجسم التركيب، ومن لوازم التركيب الإمكان والحدوث فكل من قال بالجسم فهو منكر للمبدأ تعالى، وهذه لوازم لا تخطر ببال حنبلي أصلا، وترى في الناس من يضلل أو يكفر رجلا لمدحه بعض الكفار أو المبتدعين بأنه لو لم يكن راضيا بكفره وضلاله لم يمدحه، وقد مدح السيد الرضي بعض الكفار الصابئين لعلمه وأدبه ورثاه بعد موته وتأسف من فقده بقوله:
أرأيت من حملوا على الأعواد؟ * أرأيت كيف خبا ضياء النادي؟
ويضللون من يمدح المولوي بشعره وابن عربي بعلمه لأن في كليهما أمورا فاسدة الظاهر، ويظنون أن كل من يمدح أحدا فهو متفق معه في جميع العقائد أو أ نه تتبع جميع كتبه وكلماته واستحسن جميعها، وهذه الإحاطة لا تتفق لغير المعصوم البتة، وأما الخلفاء والظلمة فكانوا يعاقبون من يحتمل إخلالهم في ملكهم بأدنى تهمة وبناؤهم في ذلك على أصالة الاحتياط وكانوا يرون في الشيعة إباء وتنفرا ونزعة فينسبون كل واحد منهم بكل سوء احتمل وجوده في غيره احتياطا لملكهم وحفظا لقدرتهم. (ش)