ولا ريب أن البصير الواعي إذا أنعم الله عليه، وتدبر القرآن، أيقن بأنه لم ينزل من الآيات الباهرة في حق أحد كما نزل في العترة الطاهرة.
فهل نطقت محكماته بذهاب الرجس عن غيرهم؟! وهل لأحد من العالمين آية كآية تطهيرهم؟! وهل فرض محكم التنزيل المودة لغيرهم؟! وهل هبط جبرئيل بآية المباهلة لسواهم؟!
إذن فما عساي أن أقول بمن ينتهي إلى النبي في الانتماء، وبغصن شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وبمن تسجد عنده معاني العز والبهاء؟ فأي قول يفي بوصفه؟ وأي طول يقاس بفضله؟
وأيم الله إن في هذا كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
هذا وقد طوقت كتب التراجم والتاريخ والأخلاق هذه الشخصية الفذة بهالة من الجليل والتقدير - دراسة وتحليلا - كما أفردت لها مصنفات خاصة في محاولة للإحاطة بجوانب حياة هذا الإمام المعصوم، مستخلصة تحركه الخطير، وأثره البارز في إرساء دعائم المجتمع الاسلامي، وتنزيهه من الشوائب في مرحلة هي من أصعب وأقسى وأدق المراحل التي مرت بها الأمة الاسلامية - بعد شهادة أبيه الحسين عليه السلام - خلال النصف الثاني من القرن الأول.
وأما جدارته في التصنيف، فقد كانت له الصدارة في ذلك (1) بعد جده سيد الأوصياء - أول جامع القرآن - علي عليه السلام الذي يعد بحق أول من صنف في الاسلام بلا منازع.
فسلام على إمامنا السجاد يوم ولد، ويوم كان مكبلا بالحديد، وحوله حرم رسول الله صلى الله عليه وآله أسرى حاسرات، ويوم أدى ما حملة الله، ويوم اختاره العلي الأعلى إلى جواره متظلما إليه ظلامة أهله وأبيه، ويوم يبعث حيا شافعا، ومشفعا بإذنه تبارك وتعالى (2).