جيرانه، وتوجع لرزيته إخوانه، ثم أقبلوا على جهازه، وشمروا لإبرازه، كأنه لم يكن بينهم العزيز المفدى، ولا الحبيب المبدى (3):
وحل أحب القوم كان بقربه * يحث على تجهيزه ويبادر وشمر من قد أحضروه لغسله * ووجه لما فاض للقبر حافر وكفن في ثوبين واجتمعت له * مشيعة إخوانه والعشائر فلو رأيت الأصغر من أولاده، وقد غلب الحزن على فؤاده، ويخشى من الجزع عليه، وخضبت الدموع عينيه، وهو يندب أباه، ويقول: يا ويلاه وا حرباه (4):
لعاينت من قبح المنية منظرا * يهال لمرآة ويرتاع ناظر أكابر أولاد يهيج اكتئابهم * إذا ما تناساه البنون الأصاغر وربة نسوان عليه جوازع * مدامعهن فوق الخدود غوازر ثم أخرج من سعة قصره، إلى ضيق قبره، فلما استقر في اللحد وهئ عليه اللبن، احتوشته أعماله، وأحاطت به خطاياه، وضاق ذرعا بما رآه، ثم حثوا بأيديهم عليه التراب، وأكثروا البكاء عليه والانتحاب، ثم وقفوا ساعة عليه، وآيسوا من النظر إليه، وتركوه رهنا بما كسب وطلب:
فولوا عليه معولين وكلهم * لمثل الذي لاقى أخوه محاذر