ومسترجع (31) داع له الله مخلصا * يعدد منه خير ما هو ذاكر وكم شامت مستبشر بوفاته * وعما قليل كالذي صار صائر شقت جيوبها نساؤه، ولطمت خدودها إماؤه، وأعول لفقده جيرانه وتوجع لرزيته إخوانه، ثم أقبلوا على جهازه، وتشمروا (32) لإبرازه:
فظل أحب القوم كان لقربه * يحث على تجهيزه ويبادر وشمر من قد أحضروه لغسله * ووجه لما فاظ للقبر حافر وكفن في ثوبين فاجتمعت له * مشيعة إخوانه والعشائر فلو رأيت الأصغر من أولاده، وقد غلب الحزن على فؤاده، فغشي من الجزع عليه، وقد خضبت الدموع خديه، ثم أفاق وهو يندب أباه، ويقول بشجو: وا ويلاه:
لا بصرت من قبح المنية منظرا * يهال لمرآة ويرتاع ناظر أكابر أولاد يهيج اكتئابهم * إذا ما تناساه البنون الأصاغر ورنة نسوان عليه جوازع * مدامعها فوق الخدود غزائر ثم أخرج من سعة قصره إلى ضيق قبره، فحثوا بأيديهم التراب، وأكثروا التلدد (33) والانتحاب، ووقفوا ساعة عليه، وقد يئسوا من النظر إليه:
فولوا عليه معولين وكلهم * لمثل الذي لاقى أخوه محاذر كشاء رتاع آمنات بدا لها * بمدية (34) باد للذراعين حاسر