حاشية رد المحتار - ابن عابدين - ج ٦ - الصفحة ٦٠٩
ويأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (وجنى) لما في الملتقط نهى رسول الله (ص) عن ذبائح الجن أشباه. والظاهر أن ذلك محلهما لم يتصور بصورة الآدمي ويذبح، وإلا فتحل نظرا إلى ظاهر الصورة ويحرراه ط. قوله: (وجبري إلخ) الظاهر أن صاحب الأشباه أخذ ن القنية، ونص عبارتها بعد أن رقم لبعض المشايخ: وعن أبي علي أنه تحل ذبيحة المجبرة إن كان آباؤهم مجبرة فإنهم كأهل الذمة، وإن كان آباؤهم من أهل العدل لم تحل لأنهم بمنزلة المرتدين اه‍. ومراده بأبي علي الجبائي رئيس أهل الاعتزال، وبالمجبرة أهل السنة والجماعة، فإنهم يسمون أهل السنة بذلك كما يفسح عنه كلام البيهقي الجشمي منهم في تفسيره، والمراد بأهل العدل أنفسهم كما علم ذلك في علم الكلام، فقد غير صاحب الأشباه المجبرة بالجبرية اه‍. منح.
أقول: وأيضا غير أهل العدل بالسني، فإن المعتزلة لم يتسموا بأهل السنة بل بأهل العدل لقولهم بوجوب الصلاح والأصلح على الله تعالى، وأنه تعالى لا يخلق الشر لزعمهم الفاسد أن خلاف ذلك ظلم، تعالى الله عما لا يليق به علوا كبيرا، لكن تغييره المجبرة بالجبرية لا ضرورة فيه، لما في تعريفات السيد الشريف: الجبر إسناد فعل العبد إلى الله تعالى. والجبرية اثنتان: متوسطة تثبت للعبد كسبا في الفعل كالأشعرية، وخالصة لا تثبته كالجهمية اه‍. فالجبرية يطلق عليهما، لكن الجبرية الخالصة يقولون إن العبد بمنزلة الجمادات، وأن الله تعالى لا يعلم الشئ قبل وقوعه، وأن علمه حادث لا في محل، وأنه سبحانه لا يتصف بما يوصف به غيره كالعلم والقدرة، وأن الجنة والنار يفنيان. ووافقوا للمعتزلة في نفي الرؤية وخلق الكلام كما في المواقف.
والحاصل: أنه إن أريد بالجبري من هو من أهل السنة والجماعة وأن ذبيحته لا تحل لو أبوه من أهل العدل كما في القنية، فهذا الفرع مخرج على عقائد المعتزلة الفاسدة، وعلى تكفيرهم أهل السنة والجماعة لقولهم بإثبات صفات قديمة له تعالى، فإن المعتزلة قالوا: إن النصارى كفرت بإثبات قديمين فكيف بإثبات قدماء كثيرة؟ ورد ذلك موضح في علم الكلام وإن كان المراد به الجهمية، وأن ذبيحة الجهمي لا تحل لو أبوه سنيا لأنه مرتد، فهو مبني على القول بتكفير أهل الأهواء. والراجح عند أكثر الفقهاء والمتكلمين خلافه، وأنهم فساق عصاة ضلال ويصلي خلفهم وعليهم ويحكم بتوارثهم مع المسلمين منا. قال المحقق ابن الهمام في شرح الهداية: نعم يقع في كلام أهل ا لمذاهب تكفير كثير منهم، ولكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم، ولا عبرة بغير الفقهاء، والمنقول عن المجتهدين عدم تكفيرهم اه‍.
فإذا علمت ذلك ظهر لك أن هذا الفرع إن كان مبنيا على عقائد المعتزلة فهو باطل بلا شبهة وإن كان مبنيا على عقائدنا، وصاحب الأشباه قاسه على تفريع المعتزلة فإنهم فرضوه فينا وهو فرضه في أمثالهم بقرينة قوله لو سنيا فهو مبني على خلاف الراجح، وما كان ينبغي ذكره ولا التعويل عليه، وكيف ينبغي القول بعدم حل ذبيحته مع قولنا بحل ذبيحة اليهودي والنصارى القائلين بالتثليث، وانتقاله عن مذهب أبيه السني إلى مذهب الجبرية لم يخرجه عن دين الاسلام لأنه مصدق بنبي مرسل وبكتاب منزل، ولم ينتقل إلا بدليل من الكتاب العزيز وإن كان مخطئا فيه، فكيف يكون أدنى حالا من النصراني المثلث بلا شبهة دليل أصلا، بل هو مخالف في ذلك لرسوله وكتابه لقوله تعالى: * (وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا) * (الأنبياء: 25)، * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له
(٦٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 604 605 606 607 608 609 610 611 612 613 614 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الشهادات 3
2 باب القبول وعدمه 15
3 باب الاختلاف في الشهادة 37
4 باب الشهادة على الشهادة 44
5 باب الرجوع عن الشهادة 50
6 كتاب الوكالة 56
7 باب الوكالة بالبيع والشراء 63
8 باب الوكالة بالخصومة والقبض 78
9 باب عزل الوكيل 86
10 كتاب الدعوى 92
11 باب التحالف 111
12 باب دعوى الرجلين 123
13 باب دعوى النسب 135
14 كتاب الاقرار 144
15 باب الاستثناء وما معناه 162
16 باب إقرار المريض 167
17 فصل في مسائل شتى 179
18 كتاب الصلح 188
19 كتاب المضاربة 208
20 باب المضارب يضارب 215
21 كتاب الايداع 227
22 كتاب العارية 243
23 كتاب الهبة 255
24 باب الرجوع في الهبة 268
25 كتاب الإجارة 283
26 باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها أي في الإجارة 309
27 باب الإجارة الفاسدة 328
28 باب ضمان الأجير 348
29 باب فسخ الإجارة 362
30 مسائل شتى 375
31 كتاب المكاتب 386
32 باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله 391
33 باب كتاب العبد المشترك 400
34 باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى 402
35 كتاب الولاء 410
36 كتاب الاكراه 420
37 كتاب الحجر 436
38 كتاب المأذون 450
39 كتاب الغصب 475
40 كتاب الغصب 475
41 كتاب الشفعة 518
42 باب طلب الشفعة 526
43 باب ما تثبت هي فيه أو لا تثبت 540
44 باب ما يبطلها 544
45 كتاب القسمة 559
46 كتاب المزارعة 582
47 كتاب الذبائح 604
48 كتاب الأضحية 624
49 كتاب الحظر والإباحة 651
50 باب الاستبراء وغيره 691
51 كتاب إحياء الموات 754