ويأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (وجنى) لما في الملتقط نهى رسول الله (ص) عن ذبائح الجن أشباه. والظاهر أن ذلك محلهما لم يتصور بصورة الآدمي ويذبح، وإلا فتحل نظرا إلى ظاهر الصورة ويحرراه ط. قوله: (وجبري إلخ) الظاهر أن صاحب الأشباه أخذ ن القنية، ونص عبارتها بعد أن رقم لبعض المشايخ: وعن أبي علي أنه تحل ذبيحة المجبرة إن كان آباؤهم مجبرة فإنهم كأهل الذمة، وإن كان آباؤهم من أهل العدل لم تحل لأنهم بمنزلة المرتدين اه. ومراده بأبي علي الجبائي رئيس أهل الاعتزال، وبالمجبرة أهل السنة والجماعة، فإنهم يسمون أهل السنة بذلك كما يفسح عنه كلام البيهقي الجشمي منهم في تفسيره، والمراد بأهل العدل أنفسهم كما علم ذلك في علم الكلام، فقد غير صاحب الأشباه المجبرة بالجبرية اه. منح.
أقول: وأيضا غير أهل العدل بالسني، فإن المعتزلة لم يتسموا بأهل السنة بل بأهل العدل لقولهم بوجوب الصلاح والأصلح على الله تعالى، وأنه تعالى لا يخلق الشر لزعمهم الفاسد أن خلاف ذلك ظلم، تعالى الله عما لا يليق به علوا كبيرا، لكن تغييره المجبرة بالجبرية لا ضرورة فيه، لما في تعريفات السيد الشريف: الجبر إسناد فعل العبد إلى الله تعالى. والجبرية اثنتان: متوسطة تثبت للعبد كسبا في الفعل كالأشعرية، وخالصة لا تثبته كالجهمية اه. فالجبرية يطلق عليهما، لكن الجبرية الخالصة يقولون إن العبد بمنزلة الجمادات، وأن الله تعالى لا يعلم الشئ قبل وقوعه، وأن علمه حادث لا في محل، وأنه سبحانه لا يتصف بما يوصف به غيره كالعلم والقدرة، وأن الجنة والنار يفنيان. ووافقوا للمعتزلة في نفي الرؤية وخلق الكلام كما في المواقف.
والحاصل: أنه إن أريد بالجبري من هو من أهل السنة والجماعة وأن ذبيحته لا تحل لو أبوه من أهل العدل كما في القنية، فهذا الفرع مخرج على عقائد المعتزلة الفاسدة، وعلى تكفيرهم أهل السنة والجماعة لقولهم بإثبات صفات قديمة له تعالى، فإن المعتزلة قالوا: إن النصارى كفرت بإثبات قديمين فكيف بإثبات قدماء كثيرة؟ ورد ذلك موضح في علم الكلام وإن كان المراد به الجهمية، وأن ذبيحة الجهمي لا تحل لو أبوه سنيا لأنه مرتد، فهو مبني على القول بتكفير أهل الأهواء. والراجح عند أكثر الفقهاء والمتكلمين خلافه، وأنهم فساق عصاة ضلال ويصلي خلفهم وعليهم ويحكم بتوارثهم مع المسلمين منا. قال المحقق ابن الهمام في شرح الهداية: نعم يقع في كلام أهل ا لمذاهب تكفير كثير منهم، ولكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم، ولا عبرة بغير الفقهاء، والمنقول عن المجتهدين عدم تكفيرهم اه.
فإذا علمت ذلك ظهر لك أن هذا الفرع إن كان مبنيا على عقائد المعتزلة فهو باطل بلا شبهة وإن كان مبنيا على عقائدنا، وصاحب الأشباه قاسه على تفريع المعتزلة فإنهم فرضوه فينا وهو فرضه في أمثالهم بقرينة قوله لو سنيا فهو مبني على خلاف الراجح، وما كان ينبغي ذكره ولا التعويل عليه، وكيف ينبغي القول بعدم حل ذبيحته مع قولنا بحل ذبيحة اليهودي والنصارى القائلين بالتثليث، وانتقاله عن مذهب أبيه السني إلى مذهب الجبرية لم يخرجه عن دين الاسلام لأنه مصدق بنبي مرسل وبكتاب منزل، ولم ينتقل إلا بدليل من الكتاب العزيز وإن كان مخطئا فيه، فكيف يكون أدنى حالا من النصراني المثلث بلا شبهة دليل أصلا، بل هو مخالف في ذلك لرسوله وكتابه لقوله تعالى: * (وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا) * (الأنبياء: 25)، * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له