في قول أبي حنيفة حتى لا تطلق زوجته وقال أبو يوسف يصح وتطلق زوجته وجه قول أبى يوسف أن الرجل لا يحتمل الطلاق ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنا منك طالق لم يصح فصار كما إذا جمع بين امرأته وبين حجر أو بهيمة وقال إحداكما طالق ولأبي حنيفة ان الرجل يحتمل الطلاق في الجملة ألا ترى أنه يحتمل البينونة حتى لو قال لامرأته أنا منك بائن ونوى الطلاق يصح والإبانة من ألفاظ الطلاق فان الطلاق نوعان رجعي وبائن وإذا كان محتملا للطلاق في الجملة حمل كلامه على الاخبار كما إذا جمع بينها وبين أجنبية وقال إحداكما طالق ولو جمع بين امرأته وبين امرأة ميتة فقال أنت طالق أو هذه وأشار إلى الميتة لم تصح الإضافة بالاجماع حتى لا تطلق زوجته الحية لان الميتة من جنس ما يحتمل الطلاق وقد كانت محتملة للطلاق قبل موتها فصار كما لو جمع بينها وبين أجنبية والله عز وجل الموفق وأما الجهالة الطارئة فهي أن يكون الطلاق مضافا إلى معلومة ثم تجهل كما إذا طلق الرجل امرأة بعينها من نسائه ثلاثا ثم نسي المطلقة والكلام في هذا الفصل في موضعين أيضا أحدهما في بيان كيفية هذا التصرف والثاني في بيان أحكامه أما الأول فلا خلاف في أن الواحدة منهن طالق قبل البيان لأنه أضاف الطلاق إلى معينة وإنما طرأت الجهالة بعد ذلك والمعينة محل لوقوع الطلاق فيكون البيان ههنا اظهارا أو تعيينا لمن وقع عليها الطلاق وأما الأحكام المتعلقة به فنوعان أيضا على ما مر أما الذي يتعلق به في حال حياة الزوج فهو أنه لا يحل له أن يطأ واحدة منهن حتى يعلم التي طلق فيجتنبها لان إحداهن محرمة بيقين وكل واحدة منهما يحتمل أن تكون هي المحرمة فلو وطئ واحدة منهما وهو لا يعلم بالمحرمة فربما وطئ المحرمة والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لوابصة بن مجد الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك ولا يجوز أن تطلق واحدة منهن بالتحري والأصل فيه أن كل ما لا يباح عند الضرورة لا يجوز فيه التحري والفرج لا يباح عند الضرورة فلا يجوز فيه التحري بخلاف الذكية إذا اختلطت بالميتة أنه يجوز التحري في الجملة وهي ما إذا كانت الغلبة للذكية عندنا لان الميتة مما تباح عند الضرورة فان جحدت كل واحدة منهن أن تكون المطلقة فاستعدين عليه الحاكم في النفقة والجماع اعدى عليه وحبسه على بيان التي طلق منهن والزمه النفقة لهن لان لكل واحدة منهن حق المطالبة بحقوق النكاح ومن عليه الحق إذا امتنع من الايفاء مع قدرته عليه يحبس كمن امتنع من قضاء دين عليه وهو قادر على قضائه فيحبسه الحاكم ويقضى بنفقتهن عليه لان النفقة من حقوق النكاح فان ادعت كل واحدة منهن أنها هي المطلقة ولا بينة لها وجحد الزوج فعليه اليمين لكل واحدة منهن لان الاستخلاف للنكول والنكول بذل أو اقرار والطلاق يحتمل البذل والاقرار فيستحلف فيه فان أبى أن يحلف فرق بينه وبينهن لأنه بذل الطلاق لكل واحدة منهن أو أقر به والطلاق يحتمل كل واحدة منهن وان حلف لهن لا يسقط عنه البيان بل لابد أن يبين لان الطلاق لا يرتفع باليمين فبقي على ما كان عليه فيؤخذ بالبيان وروى ابن سماعة عن محمد أنه قال إذا كانتا امرأتين فحلف للأولى طلقت التي لم يحلف لها لأنه لما أنكر للأولى أن تكون مطلقة تعينت الأخرى للطلاق وضرورة وان لم يحلف للأولى طلقت لأنه بالنكول بذل الطلاق لها أو أقر به فان تشاحنا على اليمين حلف لهما جميعا بالله تعالى ما طلق واحدة منهما لأنهما استويا في الدعوى ويمكن ايفاء حقهما في الحلف فيحلف لهما جميعا فان حلف لهما جميعا حجب عنهما حتى يبين لان إحداهما قد بقيت مطلقة بعد الحلف إذ الطلاق لا يرتفع باليمين فكانت إحداهما محرمة فلا يمكن منها إلى أن يبين فان وطئ إحداهما فالتي لم يطأها مطلقة لان فعله محمول على الجواز ولا يجوز الا بالبيان فكان الوطئ بيانا أن الموطوءة منكوحة فتعينت الأخرى للطلاق ضرورة انتفاء المزاحم كما لو قال إحداكما طالق ثم وطئ إحداهما وإذا طلق واحدة من نسائه بعينها فنسيها ولم يتذكر فينبغي فيما بينه وبين الله تعالى أن يطلق كل واحدة منهن تطليقة رجعية ويتركها حتى تنقضي عدتها فتبين لأنه لا يجوز له أن يمسكهن فيقر بهن جميعا لان إحداهن محرمة بيقين ولا يجوز له أن يطأ واحدة منهن بالتحري لأنه لا مدخل للتحري في الفرج ولا يجوز له أن يتركهن بغير بيان لما فيه من الاضرار بهن بابطال حقوقهن من هذا الزوج ومن غيره
(٢٢٨)