عن عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)، فقلت: " الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ فقال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): إن الله عز وجل ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم " (1).
وكان هذا الخلق في غاية الإبداع بحيث صار - بعد تسويته ونفخ الروح المضاف إلى الله تعالى (2) فيه - مخلوقا استثنائيا من بين كل الموجودات، وتظهر عظمة خلقه من قوله تعالى: {ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} (3).
والإنسان يدرك أنه لم يخلق لحياة مادية محدودة، فإن الحكمة توجب أن تكون الأدوات متناسبة مع العمل المطلوب منها، والخلقة متناسبة مع الهدف منها، فلو كانت الحياة التي خلق من أجلها حياته الدنيوية فقط، لكانت قوة الشهوة التي تجلب الملائمات وقوة الغضب التي تدفع المنافرات كافيتين له، ولم يكن موجب لأن يعطى عقلا متطلعا إلى علم غير محدود، مشتاقا إلى التخلية عن الرذائل والتحلية بالفضائل، وفطرة لا تقنع بأي مقام يصل إليه، بل تتعطش ما هو أعلى منه، فإعطاء الانسان ذلك العقل وتلك الفطرة دليل على أنه مخلوق لحياة غير محدودة، كما ورد في الحديث النبوي الشريف: " ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء، وإنما تنقلون من دار إلى دار " (4).
ومن ناحية أخرى، إن حكمة الحكيم على الإطلاق تدلنا على أن كل قوة أودعها في الموجود فقد هيأ لها عوامل الوصول إلى مرحلة فعليتها، لأن إفاضة قوة