بين (عليه السلام) أن معيار كمال الانسان ليس الأقوال والأفعال الخاضعة، وليس صرف النظر عن شهوة المال والبطن ونحوها، بل ميزان كمال الانسان إنما هو العقل المصفى من كدورة الهوى ليكون منشأ الصلاح والإصلاح، والنفس التابعة لأوامر الله تعالى ونواهيه، بحيث لا تنخدع بأية شهوة حتى شهوة الجاه والمقام، وتعرض عن العز مع الباطل، ويختار الذلة مع الحق.
3 - عن عنوان البصري وكان شيخا كبيرا أتى عليه أربع وتسعون سنة قال:
" كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين، فلما قدم جعفر الصادق المدينة اختلفت إليه، وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت عن مالك، فقال لي يوما: إني رجل مطلوب ومع ذلك لي أوراد في كل ساعة من آناء الليل والنهار، فلا تشغلني عن وردي، وخذ عن مالك، واختلف إليه كما كنت تختلف إليه، فاغتممت من ذلك، وخرجت من عنده وقلت في نفسي: لو تفرس في خيرا لما زجرني عن الاختلاف إليه والأخذ عنه، فدخلت مسجد الرسول وسلمت عليه، ثم رجعت من الغد إلى الروضة وصليت فيها ركعتين، وقلت:
أسألك يا ألله يا ألله أن تعطف علي قلب جعفر، وترزقني من علمه ما أهتدي به إلى صراطك المستقيم.
ورجعت إلى داري مغتما ولم أختلف إلى مالك بن أنس لما أشرب قلبي من حب جعفر، فما خرجت من داري إلا إلى الصلاة المكتوبة حتى عيل صبري، فلما ضاق صدري تنعلت وترديت وقصدت جعفرا، وكان بعدما صليت العصر، فلما حضرت باب داره استأذنت عليه فخرج خادم له فقال: ما حاجتك؟ فقلت:
السلام على الشريف، فقال: هو قائم في مصلاه، فجلست بحذاء بابه، فما لبثت إلا يسيرا إذ خرج خادم فقال: ادخل على بركة الله، فدخلت وسلمت عليه، فرد السلام وقال: اجلس غفر الله لك، فجلست فأطرق مليا، ثم رفع رأسه، وقال: أبو من؟