يدل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) " لن يتفرقا " على التلازم الدائم بين القرآن والعترة، بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر، وذلك أن القرآن الكريم كتاب أنزل لكافة أفراد البشر على اختلاف مستوياتهم وقابلياتهم، فكانت عباراته للعوام، وإشاراته للعلماء، ولطائفه للأولياء، وحقائقه للأنبياء (عليهم السلام).
إنه كتاب يستضئ بنور هدايته أدنى أفراد البشر، الذي لا هم له إلا الأمور المادية، إلى أعلى الأفراد، الذي لا يهدأ اضطراب روحه إلا بالإطمئنان بذكر الله تعالى، ولا ضالة له إلا الأسماء الحسنى والأمثال العليا، وتحمل اسم الله الأعظم.
إن هذا القرآن كالشمس، يستشفي المصاب بالبرد بحرارتها، ويحتاجها الزارع لنمو زرعه، ويبحث العالم الطبيعي في تأثير أشعتها على الأحياء والنبات والمعادن، ويبحث العالم الرباني في تأثيرها على الأرض ومواليدها، وفي السنن والقوانين التي تنظم بعدها عن الأرض وقربها، وطلوعها وغروبها، فيجد ضالته وهو الخالق المدبر للشمس.
إن مثل هذا الكتاب الذي جاء لجميع أفراد البشر، والمتكفل لكل ما تحتاج إليه الانسانية في الدنيا والبرزخ والآخرة، لابد له من معلم عالم بكل ذلك، فإن الطب بلا طبيب، والعلم بلا معلم ناقص، وكذلك القانون - خاصة القانون الإلهي الذي به نظم أمور المعاش والمعاد - بلا مفسر مناسب له ناقص ومناف لقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} (1)، وناقض للغرض من نزول هذا الكتاب ويخالف قوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتب تبينا لكل شئ} (2). والحكيم على الإطلاق يستحيل أن ينزل دينا ناقصا، أو ينقض غرضه من تنزيله! ولذا قال