ولا تمحكه الخصوم (1) ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفة (2)، لا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه; وأوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما (3) بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم; ممن لا يزدهيه إطراء (4)، ولا يستميله إغراء، أولئك قليل، ثم أكثر تعاهد قضائه وافسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا; فإن هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار: يعمل فيه بالهوى، وتطلب به الدنيا.
ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا، ولا تولهم محاباة وأثرة; فإنهم جماع من شعب الجور والخيانة; وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة فانهم أكرم أخلاقا، وأصح أعراضا; وأقل في المطامع إشرافا، وأبلغ في عواقب الأمور نظرا. ثم أسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوة فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية وتحفظ من الأعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة، ووسمته بالخيانة، وقلدته عار التهمة.
وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله; فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم; لاصلاح لمن سواهم إلا بهم; لان الناس كلهم عيال على الخراج وأهله. وليكن