ولا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ، وإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا فإن في الناس من به العلة وله الحاجة. وقد سألت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، حين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم؟ فقال " صل بهم كصلاة أضعفهم، وكن بالمؤمنين رحيما ".
وأما بعد، فلا تطولن احتجابك عن رعيتك; فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والإحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما آحتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل; إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، وإنما أنت أحد رجلين:
إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه؟ أو فعل كريم تسديه، أو مبتلى بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة.
ثم إن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار، وتطاول، وقلة إنصاف في معاملة فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال ولا تقطعن لأحد من حاشيتك وحامتك قطيعة لا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة.
وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع; وعاقبته بما يثقل عليك منه; فإن مغبة ذلك محمودة.
وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بغذرك، واعدل عنك ظنونهم بإصحارك; فإن في ذلك رياضة منك لنفسك ورفقا برعيتك، وإعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق.
ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك [و] لله فيه رضا; فإن في الصلح دعة لجنودك راحة من همومك، وأمنا لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه; فإن العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم، واتهم في ذلك حسن الظن. وإن عقدت بينك