إذا ثبت هذا فمن قال: يلزمه الإشهاد، فالقول قول المودع، وقال قوم: القول قول المودع لأنه أمين، وهو الأقوى، كما لو ادعى أنه دفعها إلى المودع نفسه، ومن قال بالأول قال: المودع ائتمن هذا الدافع، والمدفوع إليه ما ائتمنه، فوجب أن لا يقبل قوله على من لم يأتمنه، كما قلنا في الصبي إذا بلغ وادعى الولي بأنه دفع إليه ماله وأنكر الصبي فالقول قول الصبي، لأن هذا الولي ائتمنه الموصي، وما ائتمنه هذا الصبي، فلهذا قال الله تعالى: " فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم "، وهذا أيضا قوي.
المسألة الثانية: إذا قال: أمرتني بأن أدفعها إلى فلان وقد دفعتها إليه، فأنكر وقال: ما أمرتك، فإن القول قول المودع لأن الأصل أن لا دفع، ثم لا يخلو حال المدفوع إليه من أحد أمرين: إما أن يصدقه أو يكذبه.
فإن كذبه فالقول قوله، لأن الأصل أن لا إذن ولا دفع.
وإن صدقه فلا يخلو: إما أن يكون غائبا أو حاضرا، فإن كان حاضرا فقال:
صدقتك أمرك بالدفع ودفعت إلي، نظرت: فإن كانت العين قائمة فإنها ترد على المودع لأنها عين ماله، وإن كانت تالفة كان المودع بالخيار، إن شاء ضمن المودع لأنه دفعها بغير إذنه، وإن شاء ضمن المدفوع إليه لأنه أخذها من يد مضمونة.
فإن ضمن أحدهما فلا يرجع أحدهما على الآخر، فإن ضمن المودع فلا يرجع على المدفوع إليه لأنه يقول: أنا دفعت إليك لكن ظلمت، وإن ضمن المدفوع إليه لا يرجع على المودع لأنه يقول: أنت دفعتها إلي وإني قبضت منك لكن تلفت في يدي وأنا كنت أمينا فظلمت.
فأما إن كان غائبا فإنه يضمن المودع لأنه دفعها بغير إذنه، فإن جاء الغائب فلا يخلو: إما أن يصدقه أو يكذبه، فإن كذبه فلا كلام، لأنه قد ضمن المودع، وقلنا إنه لا يرجع، وإن صدقه فقال: دفعتها إلي وقبضتها منك، فلا يخلو حال العين من أحد أمرين: إما أن تكون باقية أو تالفة، فإن كانت باقية فإنها تؤخذ