إلى أن قال: قال المجوزون للفسخ: هذا قول فاسد لا شك فيه، بل هذا رأي لا شك فيه، وقد صرح بأنه رأي من هو أعظم من عثمان وأبي ذر وعمران بن حصين، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونزل القرآن فقال رجل برأيه ما شاء، ولفظ مسلم: نزلت آية المتعة في كتاب الله عز وجل، يعني متعة الحج وأمرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم لم تنزل آية تنسخ متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى مات قال رجل برأيه ما شاء. وفي لفظ: يريد عمر. وقال عبد الله بن عمر لمن سأله عنها وقال إن أباك نهى عنها: أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحق أن يتبع أو أبي؟ وقال ابن عباس لمن كان يعارضه فيها بأبي بكر وعمر: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتقولون: قال أبو بكر وعمر. فهذا جواب العلماء لا جواب من يقول: عثمان وأبو ذر أعلم برسول الله منكم، وهلا قال ابن عباس وعبد الله بن عمر: أبو بكر وعمر أعلم برسول الله (صلى الله عليه وآله) منا؟ ولم يكن أحد من الصحابة ولا أحد من التابعين يرضى بهذا الجواب في دفع نص عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم كانوا أعلم بالله ورسوله وأتقى له من أن يقدموا على قول المعصوم رأي غير المعصوم.
ثم ثبت النص عن المعصوم بأنها باقية إلى يوم القيامة، وقد قال ببقائها علي بن أبي طالب " رضي الله عنه " وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وابن عباس، وأبو موسى، وسعيد بن المسيب، وجمهور التابعين.
ويدل على أن ذلك رأي محض لا ينسب إلى أنه مرفوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أن عمر بن الخطاب (رض) لما نهى عنها قال له أبو موسى الأشعري: يا أمير المؤمنين ما أحدثت في شأن النسك؟ فقال: إن نأخذ بكتاب ربنا فان الله يقول: " وأتموا الحج والعمرة لله ". وإن نأخذ بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فان رسول الله لم يحل حتى نحر. فهذا اتفاق من أبي موسى وعمر على أن منع المتعة والإحرام بها ابتداء إنما هو رأي منه أحدثه في النسك ليس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن استدل له بما استدل، وأبو موسى كان يفتي الناس بالفسخ في خلافة أبي بكر (رض) كلها وصدرا من خلافة عمر حتى