وعلى أي حال، إن إعلان البراءة في الحج هو تجديد ميثاق المكافحة وتدريب على تشكيل المجاهدين لاستمرار محاربة الكفر والشرك وعبادة الأوثان. وهذا لا يتلخص بالشعار وحده، بل هو بداية إعلان منشور المقارعة والتنظيم لجند الله في قبالة إبليس وجنوده، وهو من الأصول الأولية للتوحيد. وإذا لم يظهر المسلمون البراءة في بيت الناس وبيت الله... فأين يمكن أن يظهروها؟! وإذا لم يكن الحرم والكعبة والمسجد والمحراب خندقا ومأمنا لجنود الله وللمدافعين عن حمى الأنبياء وحرمتهم... فأين يكون إذن مأمنهم وملجؤهم؟!
وزبدة المقال: إن إعلان البراءة هي المرحلة الأولى للمقارعة، وإن تواصلها مرحلة أخرى، وهو تكليفنا. إن البراءة - في كل عصر وزمان - تتطلب منا مظاهر وأساليب ومناهج متناسبة، وينبغي أن نرى ماذا علينا أن نعمل في عصر مثل عصرنا الذي ألقى فيه رؤوس الكفر والشرك كل ما للتوحيد في المخاطر واتخذوا من كل المظاهر الوطنية والثقافية والدينية والسياسية لعبة لأهوائهم وشهواتهم؟
أعلينا أن نقعد في بيوتنا ساكتين عن التحليلات الغالطة وعن إهانة مقام الإنسان ومنزلته، وعن بث روح العجز والضعف بين المسلمين، مما يقوم به الشيطان وأبناء الشيطان، ونمنع المجتمع من الوصول إلى الخلوص الذي هو غاية الكمال ونهاية الآمال... متصورين أن مجاهدة الأنبياء للأوثان وعبدة الأوثان لا يتعدى مجاهدة الحجارة والأخشاب المجردة من الروح، وأن الأنبياء، من مثل إبراهيم، قد عمدوا إلى تحطيم الأوثان، لكنهم - نعوذ بالله - وقفوا إلى جانب الظالمين متخلين عن ساحة الجهاد؟! والحال أن كل ما قام به إبراهيم من تحطيم الأصنام ومن المقارعة والمحاربة للنمروديين وعبدة القمر والشمس والنجوم... إنما هي مقدمة لهجرة كبرى. وكل ما صنعه من هجرة،