تعتقدونه وتقولون به.
فهذا الصبي الذي لم يبلغ قد يؤاخذ الجماد على أمر خيالي عرض له إلا أنه بمجرد رشده وبلوغه حد التميز والرشد يدع هذا الأسلوب ولا يؤاخذه من لا شعور له ولا إرادة كالجماد على شئ أبدا، فلو وقع الحجر من يده على الأرض لا يوبخه ولا يعاتبه ولا يقول له لم سقطت على الأرض بخلاف ما لو ضربه انسان يؤاخذه ويعاتبه ويقول لم تضربني؟ وترى أنه لو ضربه ضارب بآلة كالخشب والعصا فهو يذم الضارب دون آلة الضرب، ولو رماه رام بحجر مثلا فهو يلوم الرامي دون الحجر.
فالله تعالى خلق الانسان وأعطاه القوى وأمهله وجعل وأودع فيه بحكمته البالغة، الإرادة، إلا أنه تعالى جعل له شيئا آخر يسمى بالاختيار، والانسان في أعماله وأفعاله ليس مسلوب الاختيار بل كل ما يصدر عنه فإنما يصدر عنه باختياره وهذا أمر محسوس لا يقبل الانكار، فإن كل فرد من أفراد الانسان يعلم ويدرك من نفسه أنه قادر على ايقاع فعل كذا وتركه بخلاف الجماد مثلا فإنه لا يقدر على ذلك وليس له اختيار الفعل على الترك، أو الترك على الفعل، وترجيح أحدهما على الآخر.
ولا يخفى أن مجرد اعطاء الاختيار ووساطته مصحح للمؤاخذة، وهو ملاك العقاب والثواب.
وكون الخالق تعالى علة العلل وقيام وجود الانسان وإرادته وتمام قواه به سبحانه مما لا ريب فيه إلا أنه مع ذلك كله، له أن يفعل وأن لا يفعل فتصح مؤاخذته على فعل القبيح ولو لم يكن له حظ من هذه القدرة الثمينة والموهبة الكريمة لما كان لمؤاخذته وجه أبدا كما لا وجه لمؤاخذة الأخرس في يوم القيامة على عدم اقراره بالشهادتين لأنه لم يكن قادرا على التكلم والاقرار بهما