ولنا في هذا المقام بيان في وجه الجمع بينها لا يرد عليه هذه الايرادات و هو أن الظاهر من تلك الروايات وتعبيراتها الخاصة وكيفية الخطاب والعتاب الواردين فيها أنها واردة في المستحل للحرام أو المحرم للحلال عالما عامدا فمن كان عالما بحرمة الخمر ومع ذلك قال بحليته فهو كافر قطعا وهو في الحقيقة مبدع في الدين نظير ما ورد في الروايات في من يأكل الربا ويسميه اللبا 1.
فهذه الأخبار غير مربوطة بالجاهل أصلا ألا ترى أنه قد يعبر في بعضها بالجحد؟ ومن المعلوم أن الجحود هو الانكار مع العلم. وبعبارة أخرى: لا يطلق الكافر على من استحله جهلا فهذا التعبير أي الجحود يشهد بورود الروايات في شأن العالم بالخلاف وعلى هذا فليس مستحل الخمر عن جهل كافرا بل إنه يعاقب على ترك التعلم. ويقال له - كما في الروايات - هلا تعلمت. 2 وعلى الجملة فالذي استظهر منها هو أنها واردة في الانكار عن علم و متعرضة له ولمن أنكر عالما ولا أقل من كونه المتيقن منها وعلى هذا فليس المنكر عن جهل أو عن شبهة كافرا نعم هذا كله في الأحكام والفرائض وأما الأصول الاعتقادية فانكارها موجب للكفر مطلقا.
وأما اطلاق كلام بعضهم في كفر منكر الضروري فهو غير ضائر لأنه ناظر إلى نوع المنكرين وغالبهم، ووارد بحسب حال الأكثر، من علمهم بالحكم الضروري فإن الحكم إذا كان ضروريا فقلما يتفق أن لا يكون معلوما للناس فيؤول