بكون حكم كذا من أحكام الاسلام وضرورياته فلو أنكره فهو تكذيب لا محالة أما لو كان ساكنا في بلاد الكفار أو قاطنا في البلدان النائية محروما ومبتعدا عن مجالس المسلمين ومجالستهم، لا صلة له بهم: ولا رابطة بينه وبينهم، وكان مسلما بعيدا عن حقائق الاسلام، بسيطا يجهل الآداب والمعارف الدينية، ولاحظ له في الثقافة الاسلامية، قد أضله زنديق ولقنه مثلا بأن الصلاة الواجبة علينا هي الدعاء لا الأركان المخصوصة، ولا يجب عند أوقات الصلاة سوى قراءة دعاء كذا أو ذكر كذاك ناد عليا مظهر العجائب. فتأثر هذا المسلم البسيط بهذه الأباطيل الفاضحة، والبدع والخرافات الواهية حتى أنكر الصلاة المعهودة، فإن انكاره هذا ليس تكذيبا للنبي صلى الله عليه وآله وانكارا للشريعة ولا يوجب الكفر و النجاسة، وهو بعد رجل مسلم، مؤمن بالله ورسله، وآياته وكتبه.
وبهذا البيان ترتفع المناقشة في المقام بأن المنكر للضروري ربما لا يلتفت حين انكاره إلى كون انكاره تكذيبا للنبي وانكارا للرسالة المحمدية صلى الله عليه وآله لأنا ذكرنا أنه يوجب الكفر للكشف التعبدي عن التكذيب فإذا علمنا أنه غير ملتفت إلى ذلك فانكاره لا يوجب الكفر.
نعم يبقى المناقشة بعدم الفرق بين انكار الضروري وانكار غير الضروري من الأحكام فإن الملاك لو كان هو التكذيب فهو جار في غير الضروري أيضا من الأحكام المعلومة الصدور عن النبي كما إذا سمع حكما عن النبي أو الإمام فأنكره فهو تكذيب له ويصير كافرا بذلك مع أن الحكم ليس بضروري.
لكن الانصاف أن بينهما فرقا واضحا وهو أنه في الضروري يحكم عليه بالكفر لكونه مكذبا فلا حاجة إلى شئ آخر غير نفس الانكار بخلاف غير الضروري فإن انكاره بمجرده لا يوجب الكفر لعدم كشفه عن التكذيب فربما يكون منكرا له وإذا قلنا له أنكرت حكم الاسلام يعتذر بأن النبي لم يقل بذلك