وتكون له طرق فعلية إلى إحراز تكليفه، لا يعذره العقلاء في رجوعه إليه.
وبالجملة: موضوع بناء العقلاء ظاهرا، هو الجاهل الذي لا يتمكن من تحصيل الطريق فعلا إلى الواقع، لا مثل هذا الشخص الذي تكون الطرق والأمارات إلى الواقع وإلى وظائفه، موجودة لديه، ولم يكن الفاصل بينه وبين العلم بوظائفه وتكاليفه، إلا النظر والرجوع إلى الكتب المعدة لذلك، فيجب عليه عقلا الاجتهاد، وبذل الوسع في تحصيل مطلوبات الشرع، وما يحتاج إليه في أعمال نفسه.
وما قد يتراءى من رجوع بعض أصحاب الصناعات أحيانا إلى بعض في تشخيص بعض الأمور، إنما هو من باب ترجيح بعض الأغراض على بعض، كما لو كان له شغل أهم من تشخيص ذلك الموضوع، أو يكون من باب الاحتياط وتقوية نظره بنظره، أو من باب رفع اليد عن بعض الأغراض، لأجل عدم الاهتمام به، وترجيح الاستراحة عليه وغير ذلك، وقياس التكاليف الإلهية بها مع الفارق.
نعم، يمكن أن يقال: إن رجوع الجاهل في كل صنعة إلى الخبير فيها، إنما هو لأجل إلغاء احتمال الخلاف، وكون نظره مصيبا فيه نوعا، ومبنى العقلاء فيه هو المبنى في العمل على أصالة الصحة، وخبر الثقة، واليد، وأمثالها، وهذا محقق في الجاهل الذي له قوة الاستنباط وغيره.
نعم، الناظر في المسألة إذا كان نظره مخالفا لغيره، لا يجوز له الرجوع إليه، لتخطئة اجتهاده في نظره، وأما غيره فيجوز له الرجوع إليه، بمناط رجوع الجاهل إلى العالم، وهو إلغاء احتمال الخلاف.