لبطلان الشهوة مطلقا لا من المعدة خاصة لعموم البرد والذي أراه أن السبب المذكور جزء علة وتمامه أن يتقدم البرد المذكور تناول ما يسخن الأعضاء غائصا في الأعماق كالفلفل والصبر وغالب الباهيات ثم تتكثف المسام بالبرد المذكور فينحل الغذاء بما احتقن أو تبرد المعدة وحدها كذلك كأن يكثر أكل اللبن أو يتقدم تناول نحو النيدة المشهورة بمصر فتسد المسام ثم يشرب عليها أو يأخذ لطيفا باردا فيكون المرض المذكور هذا هو الحق ولقد شاهدنا من أكل الدهن المسلى ثم شرب البطيخ فبردت معدته فجأة مع حرارة باقي الأعضاء (وعلامته) هزال لعدم الاستمراء والعجز عن تصرف الغذاء فيبدل ما انحل وسقوط الشهوة وبرد المعدة بالفعل وفتور النبض ودقته وقصره وصلابته واستيلاء الغشى وذلك لتحلل القوى وغور الحرارة لا لقلة الغذاء كما قاله النفيسي وإلا لقارن العلة وقد يكون الغشى لاستيلاء البرد فيعدم الحس وربما كانت هذه العلة عن كثرة استفراغ الاخلاط الحارة وعن انصباب البلغم إلى فم المعدة وعن ضعف الشهوة بسبب الحرارة أيضا. وعلامة الأول تقدم فصد أو شرب نحو السقمونيا والثاني الجشاء الحامض والدخاني وفساد الغذاء والثالث وجود الحرارة وسرعة النبض وتخالفه مع الخفقان (العلاج) أما حال الغشى فالأخذ في الإفاقة برش الماء البارد ونتف الشعر وتغريز الإبر ونحو الطبول والآلات الرقيقة الصوت لشدة سريانها كالسنطير أو لكونها هوائية تسبق إلى طرق الدماغ كالقصب والتضميد والاستنشاق بالطيوب خصوصا المسك وكثيرا ما تنفع المعطسات المطيبة كالفلفل مع النسرين وأما بعده فبالكعك إذا حل في الشراب الريحاني وماء الورد والريباس والتفاح والسفرجل والرمان ممزوجة بطاقات النعنع وقد يعقد من هذه أشربة مع ماء الليمون وطالما نبهنا الشهوة في هذه العلة بتقوية اللحم وشيه ودفع هوائه بالمراوح إلى أنف العليل وقد يجعل من المياه المذكورة أو بعضها طعام، ومن المجرب أن يمزج السماق والليمون والكزبرة والعود وقشر الأترج ويستعمل على اللحوم وغيرها وأن تضمد المعدة بالصندل والعود والسذاب والعنبر وقد تشد فيه الأطراف ويغسل الوجه بماء الخلاف والورد والآس [برد] لم يرسمه كثير من الأطباء استقلالا وإنما يؤخذ من قولهم في المفردات ينفع من شقوق البرد ونحو ذلك والمراد هنا أثره لا ذاته، والبرد تارة يكون مع الهواء فتشتد نكايته لسريانه في الأعضاء وتارة يكون مع سكونه فلا ينكى إلا ظاهر البدن وكل إما ليلى أو نهاري وكل إما مطروح فيه شعاع كوكب حار أولا وكل إما شتائي أو ربيعي أو ضدهما وكل إما لاحق بالمزاج أو السن الباردين في بلد كذلك أولا فهذه أقسامه ولا شبهة أن المضاد منه لأسباب الحرارة مطلقا أشد نكاية وأعسر علاجا والعكس وبينهما مراتب كثيرة وهو يؤذى بالتكثيف فإن كان المزاج باردا انتكى بالسرعة وإلا سخن أولا ثم برد لانحلال الغريزية كما يقع لمن يتناول نحو الأفيون وهذا النوع قد لا يعود صاحبه إلى المجرى الطبيعي لما أثبتنا في القواعد من أن القليل الدائم أقوى من عكسه. واعلم أن البرد يغير اللون ويكرج البشرة والتمادي منه يسقط الشهوة لطفء الحرارة ويجمد الدم ويمنع الشعر أو يضعفه وأمراضه كثيرة كالتشقيق والرعدة والفالج والتشنج والجمود وحاصل ما يدفعه عن البدن كل حار يابس بالفعل والقوة أكلا وبخورا ودهنا ولبس مامن شأنه ذلك أيضا وينبغي التحفظ منه في كل مكان لطف هواؤه كمصر وبعد فعل هيأ العروق للقبول كحمام وجماع كما ذكر لا باصطلاء النار أولا فربما أسقطت العضو لتحليلها ما بقى وفسد بل ينبغي التدثير بالفراء وثياب الصوف والشعر ولا شئ أشد تسخينا من السمور ومن ناله ألم البرد وجلس في الزبل ثابت إليه حرارته الغريزية خصوصا زبل الخيل والبخور بالشمع والعود والذريرة يمنعه مجرب وأكل الثوم والجوز
(٤٦)