تحته ما يحتفظ منه فاستغنى عنها هناك واحتاج إلى الحفظ من الماء وإلى قوة مادة وصرفة وأما الهواء فيحتاج إلى الكل. فتلخص أن القوى تسعة قوة في النار وقوة في الماء وثلاث في التراب وأربع في الهواء هي طبقاته، فأولها الطبقة المخالطة للماء ونهايتها ارتفاعا كما في صحيح المجسطي اثنا عشر فرسخا وبذلك ينتفى ما استشكل من أنه حار فكيف يبرد الماء إذا وضع فيه حارا فان الفاعل لذلك ليس هو العنصري وفى هذه ينعقد الثلج والبرد والطل والصقيع وتليها الطبقة الصرفة وهى العنصرية المرادة عند الاطلاق وفى أوائلها انعقاد نحو الشيرخشك من الطلول بفاعليتها في قابلية المتصاعد ثم السيالة وهى طبقة تقارب الصرفة ثم النارية وهى بالنار أشبه منها بالهواء وفيها انعقاد الصواعق والأدخنة والنيران وغيرها كما في الطبيعيات، فإذا أطلق الهواء فالمراد العنصري وهو الحال في كل حيز خلا عن شاغل وبه انتفى الخلاء في العالم وهو المحيط بالاجسام وإذا قيد بالتبريد فالمراد المائية ويمد الأبدان بالتلطيف في الأصح لا بنفسه فإنه يرفع ما يتصاعد إلى أقاصى سيره خصوصا إذا اتفق مع الماء والمطلوب منه الصحيح جوهر المعدل كما وكيفا الخالي عن مغير أرضيا كان كعفونات وجيف أو سماويا كالدراري فان القمر والزهرة يفعلان فيه الترطيب والتبريد وكذا المشترى عند الهند والشمس والحر واليبس كالمريخ وزحل البرد واليبس وعطارد التعديل وقس على اجتماعها التركيب بحسبه وكذا حلولها في الأبراج إذ لا شبهة أن القمر يفعل من التبريد والترطيب إذا كان في الحوت مثلا ما لا يفعله في الأسد وكذا المريخ في المحل بالنسبة إلى العكس وكذا إذا اعتبرت الشرف والوبال والميل والهبوط والتثليث والتسديس والتقابل والقران إلى غير ذلك، ثم الهواء إذا اعتبر بعد هذه المغيرات مناسبا للأمزجة فهو الغاية في الحياة والنمو وتصفية الاخلاط، ويختلف أيضا من جهة مهبه في الجهات، فان هواء الصبا حار يابس وموضعه من نقطة المشرق إلى مطلع الجدي، والشمال باردة يابسة وموضعها من الجدي إلى نقطة المغرب والدبور باردة رطبة ومهبها من نقطة المغرب إلى مطلع سهيل، والجنوب حارة رطبة ومهبها من سهيل إلى نقطة المشرق، وهذه هي الأصول الأصلية ومعها أربعة أخر تليها في الحكم ومواضعها الغايات المذكورة والباقي إن تركب من الحرارة فهو الشروس وإلا فاللبوس وتبلغ اثنين وثلاثين قسما كما تقرر في الكنباص، وليست طبائعها المذكورة إلا بحسب ما تمر عليه ألا ترى أنه قد حكم برطوبة الدبور والجنوب لان الغرب والقبلة من الأرض نهاية مصب المياه إذ ليس لنا ماء ينصب إلى غير المذكورتين في الوجود وإنما حكم بحر الجنوب لانكشافها للشمس ويبس الصبا والشمال للجبال والرمال التي هناك وبحر الصبا لمخالطتها الشمس من المشرق، فقد بان بهذا أن كل هواء لاقي ما يساعده كدبور عن ماء وصبا عن نار قوى فعله واعتدل إن انعكس كصبا تهب عن ماء وأن الصبا تزيل البلغم وتجفف الرطوبات وتفتح السدد وتعين على الهضم وتصلح المرطوبين جدا وتمنع النزلات وتساعد الدافعة وتحرق الصفراء وتولد الحكة والجرب والتشنج اليابس. وأن الشمال تشد وتمنع الاسترخاء والكسل وتقوى الحواس والفهم والذكاء والهضم والفكر وتوجب صفاء اللون والنضارة وتورث السعال اليابس والاسقاط وعسر الولادة ونحو البواسير إلى غير ذلك من مقتضيات الخلط المناسب، والدبور عكس الصبا والجنوب الشمال وحكم صور ما تركب من المذكورات حكم مواده ويجب تحرير اعتبارها لتأثيرها في الأمراض وله هنا مزيد اعتناء لتأثر العقاقير بها صحة وفسادا، فان الجنوب إذا لم يصن عنها النبات تأكل بسرعة وفسد خصوصا ما كثرت فيه الفضلية كالراوند والزنجبيل والصبا تفسد غير محكم
(٣٣٧)