لأنها لا تستقيم مع تعاليم الإسلام، ولكن لأنها لا تستقيم مع المروءة العربية الجاهلية. ولقد حدثنا التاريخ عن معارك قادها جنكيزخان، وهولاكو، والقياصرة، والأكاسرة. وعلمنا سيرة قادتهم مع أبناء الملوك المهزومين، وكيف كانوا يتعاملون معهم وفقا لأعراف وقوانين متفق عليها. وعلمنا من تاريخهم أيضا أن الجبان ليس هو الإنسان الذي يفر من ساحة القتال وإنما هو ذلك الإنسان الذي إذا قدر كان أكثر جبنا أي أكثر قتلا. والتحرك الأموي في كربلاء ضد أبناء النبي صلى الله عليه وسلم، هو في كثير من بنوده، لا يرتقي إلى مستوى تعامل الجبابرة مع أبناء الملوك المنهزمين. ويلتقي مع تعريف الإنسان الأكثر جبنا.
وفيما سبق ألقينا الضوء على تحرك الحسين نحو كربلاء من مصادر معتمدة ومعتبرة، ألا وهي: الطبري في كتابه المسمى بتاريخ الأمم والملوك، والبداية والنهاية لابن كثير، ولقسوة بني أمية كقادة وأمراء، وأهل الكوفة كجنود لهذه السياسة، سيكون مصدرنا الأساسي في إلقاء الضوء على ساحة المعركة هو، البداية والنهاية لابن كثير. وما اتفق معه من مصادر سنبينه بالهامش. واختيارنا لهذا المصدر في هذا الموضع بالذات له أسبابه. منها حتى لا يقال إن الأحداث مبالغ فيها. ومنها أن ابن كثير في كتابه يميل ميلا كبيرا نحو السياسة الأموية في خطوطها العريضة، وإن كان ينتقدها في بعض الأمور الثانوية، إلا أنه مؤيد لرموزها بلا استثناء، وهذا يجعل تلقي أخبار القتال مقبولا ولا شبهة فيه. ولقد أجاد ابن كثير عندما تحدث عن مقتل الحسين تحت عنوان " وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن، لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب " (1).
وقدم نخبة من المرويات تكفي لما نريد أن نبينه في هذا المقام.
وعن تحديد الذي بدأ القتال، يقول ابن كثير: فتقدم عمر بن سعد بن أبي وقاص وقال لمولاه: يا دريد ادن رأيتك، فأدناها، ثم شمر عمر بن سعد عن ساعده، ورمى بسهم وقال: اشهدوا، إني أول من رمى القوم. فترامى الناس