سمعت متكلما قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه. ثم قال الحسين: أما بعد، فانسبوني، فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا أهل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وسلم، وابن وصيه وابن عمه، وأول المؤمنين بالله، والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه.
أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي. أوليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي، أولم يبلغكم قول مستفيض فيكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ولأخي: " هذان سيدا شباب أهل الجنة "، فإن صدقتموني بما أقول، وهو الحق والله ما تعمدت كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله، ويضر به من اختلقه، وإن كذبتموني، فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، أو أبا سعيد الخدري، أو سهل بن سعد الساعدي، أو زيد بن أرقم، أو أنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ولأخي. أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي، فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أثرا ما أني ابن بنت نبيكم، فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري لا منكم ولا من غيركم، أنا ابن بنت نبيكم خاصة، أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص من جراحه، ثم نادى: يا شبث بن ربعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب وطمت الجمام، وإنما تقدم على جند لك مجند فأقبل؟
فقالوا له: لم نفعل. فقال: سبحان الله، بل والله لقد فعلتم، ثم قال: أيها الناس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض. فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمك، فإنهم لن يروك إلا ما تحب ولن يصل إليك منهم مكروه. فقال الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل، لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد، عباد الله " إني عذت بربي وربكم أن ترجمون "، " أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب "، ثم أناخ في راحلته، وأمر عقبة بن سمعان