والحاجة. ألا وإن رحى بني مرج قد دارت، وإن رحى الإسلام دائرة، وإن الكتاب والسلطان سيفترقان. فدوروا مع الكتاب حيث دار.. " (1).
إن الأغلبية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من خمسين سنة لم يعتزلوا بني أمية، على الأقل عندما تبينوا أن معاوية يتجاحف على الملك وهو من الطلقاء، ويبذر المال بذرا لوقف تقدم الذين يدورون مع الكتاب حيث دار.
ولا يعني هذا أن بني أمية شقوا طريقهم بسهولة ويسر، لأن خير أمية أخرجت للناس ما نامت، إن كان أكثرهم قد قتل. ولو لم يكن هناك غير هذه الفئة القليلة لكان ذلك كفاية، لأن التاريخ قد سجل وعلم الشاهد والغائب أن خير أمة أخرجت للناس وقفت بالمرصاد للظلم والاستكبار وبطر الحق، الذي اتخذ من الدين رداءا له. ولم يحدث على امتداد التاريخ الإنساني أن خرجت أمة على أمة، أمة ترفع راية الإسلام وهي تريد بطر الحق، وأخرى على بينة وترفع راية القرآن والسنة، وتنادي بإقامة العدل. ولم يحدث في أمة من الأمم أن خرج منهم رجال يحملون القرآن في صدورهم، ليأمروا بالمعروف في عالم مدجج بالسلاح، وأهله لا تجاوز القرآن تراقبهم. لم يحدث هذا من قبل، ولكنه حدث في الأمة الخاتمة التي حمل أمانتها خير أمة أخرجت للناس.
رابعا - على مفترق الطرق:
قبل اشتعال الأحداث التي تنتهي بمقتل الحسين كان هناك تغيرات، ذهب معها قديم وجاء عليها جديد منها: موت المغيرة بن شعبة أحد دهاة العرب، والذي يعود الفضل إليه في وضع بذرة الحكم الوراثي في ساحة الملك، في أمة رفضت الحكم الوراثي في دائرة الطهر. وضع بذرة لا تنبت إلا بالسيف والدهاء والمكر. في حين أن هذه البذرة كان يقابلها بذرة أخرى شجرتها التقوى وفروعها اليقين وتسقى من حوض فيه ماء لذة للشاربين. مات المغيرة سنة خمسين بعد أن ضربه الطاعون (2). وفي سنة اثنين وخمسين مات زياد ابن أبيه، ذراع معاوية،