من أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد، فقالوا: والله لا نفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا، وجباهنا، وأيدينا، فإذا نحن قتلنا، كنا وفينا وقضينا ما علينا (1).
وقام الحسين وأصحابه إلى الصلاة، فقاموا الليل كله، يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون. والحسين يقرأ قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم. إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) (2).
وفي الصباح، وكان يوم سبت، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء، خرج الحسين فيمن معه من الناس. وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا، فعبأهم وصلى بهم صلاة الغداة، وجعل البيوت في ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت تحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم (3). وكل ذلك من باب الأخذ بالأسباب. وروي أن الحسين رفع يده ودعا الله تعالى، فلما دنا منه القوم، دعا براحلته، فركبها ثم نادى بأعلى صوته: أيها الناس، اسمعوا قولي، ولا تعجلوني حتى أعظكم بما هو حق لكم علي، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري، وصدقتم قولي وأعطيتموني النصف، كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم علي سبيل. وإن لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم " فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة. ثم اقضوا إلي ولا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين. " فلما سمع أخواته كلامه هذا، صحن وبكين، وبكى بناته فارتفعت أصواتهن. فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي، وعليا ابنه، وقال لهما: أسكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن. فلما سكتن حمد الله وأثنى عليه، وذكر الله بما هو أهله، وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملائكته وأنبيائه، يقول الضحاك: فوالله ما