4 - وفاء وحقائق على الطريق:
كان معاوية في الكوفة، وعلى امتداد الطريق من الكوفة إلى المدينة يبعث إلى كل من يعرفه ويسألهم عن علي بن أبي طالب. وكان يريد من وراء ذلك الوقوف على أسباب حب الناس لعلي ليقوم بعد ذلك بوضع منهج ثقافي يتصدى لعلي بعد وفاته. ومن الذين التقى بهم معاوية خالد بن المعمر. قال معاوية له:
كيف حبك لعلي؟ قال: أحبه لثلاث خصال: على حلمه إذا غضب، وعلى صدقه إذا قال، وعلى وفائه إذا وعد (1). وروي أنه بعث إلى امرأة يقال لها دارمية الحجونية وقال لها: أتدري لم بعثت إليك؟ قالت: لا يعلم الغيب إلا الله، قال:
بعثت إليك لأسألك علام أحببت عليا وأبغضتني وواليته وعاديتني؟ قالت: أو تعفيني، قال: لا أعفيك. قالت: أما إذا أبيت، فإني أحببت عليا على عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وأبغضتك على قتالك من هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بحق. وواليت عليا على ما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم تشير إلى قوله: من كنت مولاه... - وحبه المساكين وحكمك بالهوى. فقال لها: يا هذه، هل رأيت عليا؟ قالت: أي والله. فقال: فكيف رأيته قالت: رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك. ولم تشغله النعمة التي شغلتك، فقال: فهل سمعت كلامه؟ قالت: نعم والله، فكان يجلو القلب من العمى كما يجلو الزيت صدأ الطست (2).
وروي أنه بعث إلى امرأة تدعى الزرقاء بنت عدي. فعندما دخلت عليه قال: مرحبا وأهلا. كيف كنت في مسيرك؟ أتدرين فيم بعثت إليك؟ قالت: إني لي بعلم ما لم أعلم! قال: ألست الراكبة الجمل والواقفة بين الصفين يوم صفين تحضين على القتال، وتوقدين الحرب، فما حملك على ذلك؟ فقالت: يا معاوية مات الرأس، وبتر الذنب، ولم يعد ما ذهب، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث