واحد من هؤلاء. وباختصار: اتباع هذه الدائرة هم ضعاف الإيمان، الإيمان عندهم صورة وليس عمل. وجدوا أن المعركة لها تكاليف وهم ليسوا على استعداد لدفع هذه التكاليف. ثم أعد لهم منهجا للحكم يزاحموا به معاوية عندما يظهر، فهم بإيمانهم يكونوا في دائرة الحكم أفضل من وجودهم خارجها.
أما الدائرة الثانية التي ساعدت على التخاذل، فهي دائرة الذهب والفضة والزبيب. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " علي يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين " (1)، وكان علي يقول: " أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الفجرة "، وفي رواية: " والمال يعسوب الظلمة " (2)، ولقد ذكرنا فيما سبق كيف فر أقوام من المدينة في اتجاه معاوية، وهناك العديد من الأمثلة في تفضيل أكثر الناس للمال في فترة التخاذل. وروي أن عليا قال لرجل: أآثرتم معاوية. فقال: ما آثرناه، ولكنا آثرنا القسب (3) الأصفر والبر الأحمر والزيت الأخضر.
4 - غارات معاوية:
بعد التحكيم بدأ معاوية في ترتيب أوراقه، فوضع عينه على مصر، وكان عليها يومئذ محمد بن أبي بكر عاملا لعلي، وكان معاوية يريد مصر ليجرد أمير المؤمنين من خراجها ويستعين به. وعندما علم معاوية أن عليا قد ولي الأشتر على مصر بدلا من محمد بن أبي بكر عظم ذلك عليه، لمعرفته أن الأشتر إن قدمها كان أشد عليه من محمد بن أبي بكر، ومن هنا بدأ عمل معاوية للالتفاف حول أمير المؤمنين، فبعث إلى رجل من أهل الخراج، وقال له: إن الأشتر قد ولي مصر، فإن أنت كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت فاحتل له بما قدرت عليه. وخرج الرجل حتى أتى القلزم وأقام به، وعندما انتهى الأشتر إلى القلزم