إن المفاضلة لا بد منها، والحق واضح وضوح الشمس، والأربعة الذين فارقوا؟ أهل الكوفة هم في حقيقة الأمر حجة على أهل الكوفة الذين خذلوا الحسين. فالحسين كان في حاجة إلى الناس، لأنه حجة ظاهرة فيه من الله برهان، ولم يكن في حاجة لكي يقتحم بنفسه على الناس، لأن الحركة حركة اختيار لينظر الله كيف يعملون. وفي هذا المقام نسلط الضوء على ثلاث حركات لها إيقاع واحدة في دائرة الحجة.
أولها: أن الطرماح بن عدي، الذي عرض عليه العرض السابق ذكره، قال للحسين بعد أن سمع منه: دفع الله عنك شر الجن والإنس، إني قد امترت لأهلي من الكوفة ميره ومعي نفقة لهم. فأتيهم فأضع ذلك فيهم ثم أقبل إليك إن شاء الله فإن ألحقك فوالله لأكونن من أنصارك. فقال له الحسين: فإن كنت فاعلا فعجل رحمك الله. يقول الطرماح: فعلمت أنه مستوحش إلى الرجال حتى يسألني التعجيل (1). فهو في هذه الحركة وهذا الايقاع يطلب الرجال. الذين يعلمون إلى أي هدف يسيرون.
ثانيها: ما رواه البغوي بسند صحيح أن أنس بن الحارث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن ابني - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهد منكم ذلك فلينصره.
وخرج الحارث إلى كربلاء فقتل مع الحسين (2). فالحارث عمل بما سمع، ما سمعه كان حجة ليس على الحارث وحده، وإنما حجة على طريق طويل. وعلى عصر ما الحارث فيه إلا فردا واحدا.
ثالثها: ما رواه الطبري من أن الحسين دخل إلى فسطاط عبيد الله بن الحر الجعفي. وقال: ادعوه لي فلما أتاه الرسول قال لعبيد الله بن الحر: هذا الحسين بن علي يدعوك. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون والله ما خرجت من