5 - نظرات في مقعد جديد:
من الشام بدأ معاوية في إدارة شؤون الخلافة وروي أنه قال على منبر دمشق: " أيها الناس اعقلوا قولي. فلن تجدوا أعلم بأمور الدنيا والآخرة مني... " (1). وكان قد أعلن في المدينة من قبل: " فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم ". فمعاوية وضع نفسه في دائرة العلم ودائرة الخير، ولكن الباحث يجد أن الحقيقة تخالف ذلك. أولا: لأن الأمة على أعتاب توجيه ضربة إلهية بما قدمت يداها وهذا ثابت في أحاديث صحيحة، كما أن فتح أبواب كل شئ على الذين نسوا ما ذكروا به سنة كونية وحقيقة قرآنية. وقد تكون دوائر العلم والخير الخاصة بمعاوية في ظاهرها علم وخير، ولكن الحقيقة التي لا جدال فيها أن في باطنها فتنة ليس فيها علم يرى. وثانيا: أن بني أمية بالذات على أيديهم يأتي ما ذكرناه في أولا. فمعاوية وإن كان يعمل لصالح نفسه أو أسرته هو في الحقيقة صورة من صور العذاب، كما أن الحجاج بن يوسف صورة من صوره. وقتال الإمام علي لمعاوية كان في الحقيقة أخذا بالأسباب لصد هذه الصورة التي تحمل معالم العذاب، والتي هي نتيجة طبيعية لأعمال الناس. وصد الإمام لهذه الصورة لا يكون إلا بدفع الناس إلى الصراط المستقيم، لأن أعمالهم على الصراط المستقيم ستفتح عليهم بركات من السماء، بينما أعمالهم على أي خط آخر ستأتي بصور العذاب حيث تفتح عليهم أبواب كل شئ عدا البركة. فالدعوة تعمل من أجل فتح أبواب وغلق أبواب، كي تصل القافلة البشرية سالمة غانمة إلى كمالها وأهدافها العليا.
فإذا وجدنا معاوية يخطب على المنابر، فيجب أن نضع نصب أعيننا أن النبي صلى الله عليه وسلم ساءه ذلك عندما أراه الله بني أمية ينزون على منبره نزو القردة. وإذا قال معاوية على منبر دمشق: " لن تجدوا أعلم مني بأمور الدنيا والآخرة " فيجب أن نعلم أن معاوية باغي، وأن الناس تخاذلوا ولم يردوه عن