فهو تقديس لنبي الوحدانية وتقديس نبي الوحدانية إحياء لها. إذ هو تقديس للمعاني التي بعث بها.. وقد روى ابن تيمية نفسه أن السلف الصالح كانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم كلما مروا على الروضة الشريفة، ونحن لنعجب من استذكاره لزيارة الروضة مع ما رواه عن الأئمة الأعلام من تسليمهم على النبي كلما مروا بقبره (1).
ج - من مقدمات الإفرازات الفكرية:
لقد سيطرت السياسة على جميع الشؤون حتى الدينية منها، وذلك لأن للسياسة طابعها الديني. ومن أجل ذلك كان الحكام يشعرون بالحاجة الماسة إلى الدعم الديني لإغراء الجماهير بشرعية حكمهم، ومن غير الممكن أن يجدوا هم وأعوانهم بين النصوص الدينية من كتاب أو سنة. ما يشعر ولو من بعيد بشرعية حكم يقوم على الظلم والجور واغتصاب الحقوق والاستهتار بالمقدسات وحرية الفرد والجماعة، وليس أدل على ذلك من تحوير مفهوم الخلافة عمليا ونظريا إلى حكم فردي يستمد قوته وبقاءه من الاسراف في بذل الأموال. وإراقة الدماء لا من النصوص الإسلامية ولا من رغبة الشعب وإرادة الجماهير. وقد ظهرت بوادر هذا النظام في مطلع العهد الأموي.
فهذا النظام بدأ في استمال أعوانه لتحوير الحقائق وخلق المبررات لتصرفاته وإعطائها صفة الشرعية، وكانت الدولة الأموية في أمس الحاجة لشراء الضمائر وتسخير المرتزقة والحاقدين لينسجوا لهم ثوبا من الفضائل والمكرمات ليستروا به ماضيهم الأسود وحاضرهم الملوث عن أعين الناس، الذين لا يملكون من الوعي والتفكير ما يفرقون بين الناقة والجمل. ومع وجود دائرة الحاقدين الذي عملوا من أجل تثبيت الحزب الأموي برزت دوائر أخرى، باشرت وضع الحديث لأهداف أخرى لا تختلف كثيرا عن أهداف بني أمية. وقد أوجز القاضي عياض الحالة التي وصل إليها الحديث في العصر الأموي والدوافع على