على رجسهم.
وبعد أن فرغ أمير المؤمنين من قتال الخوارج، خطب في الناس وحثهم على العمل ليلتحم الشعار بالشعور. وروي أنه صعد المنبر بعد فراغه من النهروان، فحمد الله، وخنقته العبرة فبكى حتى اخضلت لحيته بدموعه وجرت، ثم نفض لحيته فوغ رشاشها على ناس من أناس، فكانوا يقولون: إن من أصابه من دموعه فقد حرمه الله النار، ثم قال: يا أيها الناس. لا تكونوا ممن يرجوا الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة بطول أمل، يقول في الدنيا قول الزاهدين، ويعمل فيها عمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ويأمر ولا يأتي، وينهى ولا ينتهي، ويحب الصالحين ولا يعمل بأعمالهم، ويبغض الظالمين وهو منهم.
تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن، إن استغنى فتن، وإن مرض حزن، وإن افتقر قنط ودهن، فهو بين الذنب والنعمة يرتع، يعافى فلا يشكر، ويبتلي فلا يصبر. كأن المحذر من الموت سواه، وكأن من وعد وزجر غيره يا أغراض المنايا، يا رهائن الموت، يا وعاء الأسقام، يا نهبة الأيام، ويا ثقل الدهر، ويا فاكهة الزمان، ويا نور الحدثان، ويا خرس عند الحجج، ويا من غمرته الفتن وحيل بينه وبين معرفة العبر بحق، أقول: ما نجا من نجا إلا بمعرفة نفسه، وما هلك من هلك إلا من تحت يده. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) جعلنا الله وإياكم ممن سمع الوعظ فقبل، ودعى إلى العمل فعمل (1).
3 - التخاذل:
بعد فراغ أمير المؤمنين من أهل النهروان كانت قواته متماسكة، حيث إنه لم يقتل من أصحابه إلا سبعة، وكان النبي صلى الله عليه وآله قد أخبره بعدد القتلى من قواته وقوات أهل النهروان. وقد أخبر أمير المؤمنين قواته بهذا قبل