اتباع أثر قاتل أبيه. فلما كان زمان مصعب بن الزبير، دخل الغلام معسكر مصعب فوجد الرجل فقتله (1).
وبدأت جحافل بني أمية تتدفق على معسكر الحسين من كل ناحية، وقتل الحر بن يزيد. وبعد ذلك صلى الحسين صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعدها قتالا شديدا، فلما رأى أصحاب الحسين أنهم قد كثروا، وأنهم لا يقدرون عن أن يمنعوا حسينا ولا أنفسهم، تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه. فجاء عبد الله، وعبد الرحمن ابنا عزرة الغفار، فقالا: يا أبا عبد الله عليك السلام، حازنا العدو إليك، فأحببنا أن نقتل بين يديك، نمنعك وندفع عنك. قال: مرحبا بكما ادنوا مني. فدنوا منه، فجعلا يقاتلان. وجاء الفتيان الجابريان، سيف بن الحارث، ومالك بن عبد، فأتيا حسينا، فدنوا منه وهما يبكيان. فقال: ما يبكيكما، فوالله إني لأرجو أن تكونا عن ساعة قريري عين. فقالا للحسين: جعلنا الله فداك، لا والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك، نراك قد أحيط بك ولا نقدر أن نمنعك. فقال: جزاكما الله بوجدكما من ذلك ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين (2).
وجاء حنظلة بن أسعد، فقام بين يدي حسين، فأخذ ينادي: يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم. وما الله يريد ظلما للعباد. ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم، ومن يضلل الله فما له من هاد. يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى. فقال له الحسين: يا ابن سعد رحمك الله. إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك. فكيف بهم الآن، وقد قتلوا إخوانك الصالحين. قال: صدقت جعلت فداك أنت أفقه مني. وأحق بذلك، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بإخواننا. فقال له: رح إلى خير من الدنيا وما فيها.
.