بشرية أقوالها غير أفعالها، خرجت من خيام بها الكثير من التقيح والفساد، الذي يسد أبواب الأمل. ولم يرفع الحسين يده استسلاما لهذه الأنماط، لأنه ليس من شيمة الرجل الشريف أن يتردى في هوة هذا الخوف الذليل، وأي شريف يكون غير أسف على ترك عالم الباطل هو الشئ الوحيد الذي يسود فيه، لم يرفع الحسين يده، وإنما تصدى للخيام التي بها حشدا من الجرائم، ومكتظة بالقتل والآثام، وواجه العدوان البهيمي البربري الذي ليس له نظير، كان الحسين في أحلك الأوقات يدعو لإقامة الدين، وكان خصومه الذين ترعرعوا تحت ثقافة السب وأمام بيوت المال، يعملون من أجل الدنيا، كانوا يعملون من أجل كيس نقود، وكانوا يضعون العقبات أمام الحسين، حتى يظل عاجزا عن نيل ما يشتهي بينما يبلغ كل منهم ما يريد.
1 - صرخات الحسين:
أمام المجموع التي تقرقع أنيابها كرقعة أنياب الحيتان، وقف الحسين والدماء تغطي وجهه بعد أن ضربه رجل من كنده بالسيف على رأسه، فقطع البرنس وأدمى الرأس. فقال لهم: أعلى قتلي تحاثون؟ أما والله ولا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله، الله أسخط عليكم لقتله مني. وأيم الله، إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون. أما والله إن لو قد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم، ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم (1). وكان قد قال: إني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، محمد صلى الله عليه وسلم، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأبي علي بن أبي طالب.
فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق. ومن رد على هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم الظالمين (2).